المسؤولية عن آفة الفيضانات مفترضة ومشتركة بين الدولة والجماعات الترابية
د/ العربي محمد مياد
باحث وكاتب قانوني
ككل مواطن عادي ، أتتبع النشرات الإخبارية الداخلية والدولية عبر وسائل الاتصال الحديثة بمختلف أنواعها سواء كانت ورقية أو الكترونية ، باللغتين الرسميتين أو باللغات الأجنبية، وكثيرا ما أجد نفسي مشدودا بالتلفزة إلى النشرة الجوية التي تبرمج بعد النشرة الإخبارية الرسمية وتسهر على تقديمها مديرية الأرصاد الوطنية.
وما يثير الانتباه في هذه النشرة بعض التحذيرات المرتبطة بالألوان الطبيعية، من قبيل المستوى البرتقالي، والأحمر، الأخضر، والأصفر . وعند استفساري عن هذه المستويات، فهمت بأن خريطة اليقظة العامة في مجال التساقطات المطرية والرياح ، تنقسم إلى أربعة مستويات ، ذلك أن المستوى الأحمر يعني أن الآتي لا يخلو من خطورة قصوى والمتمثل في الرياح العاتية سرعتها ما بين 100 و200 كلم في الساعة، فضلا عن التساقطات الكثيرة التي قد تتخذ شكل الطوفان ، والعاصفة المقترنة ببرق ورعد ، وقد تكون مصحوبة في كثير من الأحيان بظواهر عنيفة مثل هبوب الرياح والأمطار الغزيرة والبرد. وتعتبر الرياح خطرة عندما تصل إلى سرعة 70 كلم في الساعة في المتوسط و 100 كلم في الساعة عند العاصفة. وقد يصاحب هذا الظرف الطبيعي أمواج يتجاوز ارتفاعها 3 أمتار في البحر الأبيض المتوسط وعلى المضيق ، وارتفاع 4 أمتار على المحيط الأطلسي.
ولذلك يتم تنبيه المواطنين بهذه الخطورة حتى يتجنبوا الخروج خارج منازلهم وسكناهم إلا للضرورة القصوى مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم بالابتعاد عن مجاري المياه وأعمدة الانارة وغيرها.
اما المستوى الأصفر فيعني المخاطر الاعتيادية والمحلية المرتبطة بالظواهر الجوية العادية، في حين يرمز المستوى الأخضر إلى عدم وجود خطر يذكر ، أما المستوى البرتقالي فينذر كذلك بمخاطر كبيرة خلال مدة زمنية محددة بحيث قد تتجاوز التساقطات الثلجية 15 سنتيما وقد تصل إلى 30 سنتيم. والرياح من 75 إلى حدود 85 كلم في الساعة مما يفرض أخذ الحيطة والحذر واليقظة .
واستنادا إلى المرسوم رقم 2.94.724 الصادر بتاريخ 21 نونبر 1994، فإن الصلاحيات الموكولة لمديرية الأرصاد الجوية تتلخص في السهر على الأنشطة المرتبطة بالمعلومات الجوية والمناخية الضرورية لتلبية احتياجات المستعملين على المستوى الوطني، وضمان التبادل الدولي للمعطيات، وذلك تطبيقا لمقتضيات الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة المغربية؛ فضلا عن إنجاز دراسات وأبحاث تجريبية وتطبيقية حول الغلاف الجوي والأرصاد الجوية وعلم المناخ التطبيقي، وكذا دراسات وأبحاث مرتبطة بمهمتها؛ ثم المشاركة في إعداد الاتفاقيات الدولية بالتنسيق مع الإدارات المعنية بخصوص مجالات اختصاصها، ووضع النصوص التنظيمية المرتبطة بالأرصاد الجوية والسهر على تنفيذها.
وحسب المعلومات المستقاة من موقع وزارة التجهيز والنقل والماء فإنه تم إحداث مديرية الأرصاد الجوية الوطنية سنة 1961، وهي مصلحة تابعة للدولة تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي تمارس مهامها تحت وصاية الدولة في شخص وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، يوجد مقرها بمدينة الدار البيضاء ، ومن بين مهامها البارزة السهر على مراقبة الطقس، مما يساهم بشكل مباشر في حماية الأشخاص والممتلكات، وهي منتشرة أفقيا على الصعيد الوطني بخمس مديريات جهوية .
وهذا يعني، بأن مسؤولية مديرية الأرصاد الجوية تتمثل في إصدار نشرات انذارية اتقاء لحدوث أضرار بالأرواح والممتلكات ، ولا أبالغ إذا قلت بأن هذه المديرية تقوم بدورها على أحسن ما يرام .
قبل الإجابة، أشير أنه بالاطلاع على القانون التنظيمي رقم 113.14 بتاريخ 9 يوليوز 2015 المتعلق بالجماعات المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 23 يوليوز 2015 لا يجد الباحث ما يشير إلى تدخل الجماعات في آفة الفيضانات ، حتى لو كانت المادتين 87 و 88 تنظم الاختصاصات المشتركة بين الجماعات والدولة بشكل تعاقدي بمبادرة من الدولة أو الجماعة ، وعلى العكس من ذلك ، نجد أن القانون التنظيمي رقم 111.14 الصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015 ، ولا سيما المادة 91 التي نصت على أنه تمارس الاختصاصات المشتركة بشكل تعاقدي بمبادرة من الدولة أو الجهات ، في مجموعة من المجالات وبالأخص "الحماية من الفيضانات ."
ويبقى التساؤل لماذا تقع كل تلك الخسائر في الممتلكات بصفة دورية كلما كانت هناك تساقطات غير عادية حتى لو كانت في زمانها ، ولا أفشي سرا إذا قلت أن بعض هذه التساقطات المطرية قد تشوش على سمعة البلاد في بعض الأحيان عندما تتسبب في خسائر مادية لبعض المشاريع الاستراتيجية المنجزة يا حسرة بالمناطق الصناعية (طنجة نموذجا) أو بمناسبة اجراء مباريات دولية في كرة القدم( ملعب مولا ي عبد الله بالرباط ، ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء نموذجا ) فهل الأمر قضاء وقدرا أو اهمالا وتقصيرا من السلطات العمومية والمنتخبة المختصة ؟
وهذا يعني أن مسؤولية كل من الدولة والجهة مسؤولية قائمة بمقتضى قانون تنظيمي، الذي يوجد في مرتبة أعلى من القانون العادي . ونحن نعلم بأن مقترحات ومشاريع القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب لا تناقش إلا بعد مضي 10 أيام على وضعها لدى مكتبه وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة لأعضاء الحاضرين من المجلس ، غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب ، وفي جميع الأحوال لا يمكن اصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور . وهذا حال القانون التنظيمي للجهات أو للجماعات .
وقد يقول قائل أن كل ما تعلق بالتطهير والانارة والماء الصالح للشرب وغيره من المرافق التي من المفروض أن تكون بين يدي السلطات العمومية الوطنية قد تم تفويضها للغير ، طبقا للقانون رقم 54.04 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006.
لكن ، ومن خلال هذا القانون نفسه يتم دحض حجج من يلتمس العذر للسلطات العمومية والمنتخبة، ذلك أنه طبقا للمادة 2 من هذا القانون يعتبر التدبير المفوض عقدا يفوض بمقتضاه شخص معنوي عام خاضع للقانون العام يسمى "المفوض " لمدة محدودة ، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص يسمى "المفوض إليه " يخول له حق تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا . وتضيف المادة الموالية بأنه يتم ذلك بأقل كلفة وفي أحسن شروط السلامة والجودة والمحافظة على البيئة .
وفي جميع الأحوال يستقل المفوض وتحت أعين الدولة بسلطة المراقبة سواء الاقتصادية أو المالية أو التقنية أو الاجتماعية المترتبة على العقد . كما يحق له تتبع ومراقبة حسن تنفيذ العقد. وفي المقابل تكون المسؤولية عن المخاطر قائمة تجاه المفوض إليه الذي يكون ملزما بقوة القانون بإبرام عقود التأمين لتغطية مسؤوليته المدنية عن الأضرار الناجمة عن أخطائه أو إهماله .
من كل ما تقدم، نقول بأن مسؤولية كل من الدولة والجماعة الترابية بالمفهوم الدستوري مفترضة في حالة الحاق الضرر بأرواح وممتلكات المواطنين نتيجة الفيضانات ولا يمكن دفع هذه المسؤولية إلا بإثبات الخطأ من المتضرر .
والمقصود بالفيضان الحالات التالية :
_ غرق الأشخاص والحيوانات ؛
_ انهيار المساكن والبيوت ؛
_ انقطاع الطرق بالمدار الحضري؛
_ تلوث مياه الشرب أو انقطاعها؛
_ انقطاع التيار الكهربائي نتيجة السيولة الجارفة .....
_ انغمار الطرق نتيجة الأوحال والبرك المائية ،
كما أنه طبقا للقانون رقم 36.15 المتعلق بالماء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 1.16.113 المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 25 غشت 2016، - بعد أن عرف الفيضانات بأنها غمر مياه الحمولات والسيول لمجال ما بشكل مؤقت؛ _ ولا سيما المادة 117 " يمنع في الأراضي التي يمكن أن تغمرها المياه إقامة حواجز أو بنايات أو تجهيزات أخرى من شأنها أن تعرقل سيلان مياه الفيضان بدون ترخيص إلا إذا كان الغرض منها حماية المساكن والممتلكات الخاصة المتاخمة. يمكن لوكالة الحوض المائي، إذا طلب منها ذلك، أن تقدم الدعم التقني لإنجاز الحواجز أو البنايات أو التجهيزات المرخص بها.
هذا ، وإنه طبقا للمادة 123 من نفس القانون تحدث لجن لليقظة على المستوى الوطني والجهوي والاقليمي لتدبير وتتبع أحداث الفيضانات. تتكلف اللجان الجهوية التي يترأسها ولاة الجهات على الخصوص بتنسيق وتتبع:
_ عمليات الانذار وإخبار وتحسيس السكان؛
- عمليات التدخل وتنظيم الانقاذ؛
- جمع المعلومات الضرورية لتقييم الخسائر.
تقوم اللجنة الوطنية لليقظة التي تترأسها السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بالتنسيق والاشراف على اللجن الجهوية. تتألف هذه اللجن من ممثلي السلطات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية المعنية.
والتساؤل المطروح هل يتم احترام هذه المقتضيات الآمرة، سواء من السلطات العمومية والمنتخبة أو حتى المواطنين ؟
ومن أجل دراسة التدبير المفوض بالمغرب ، أحيل القارئ على التقرير الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات كنموذج بخصوص تقييم تنفذ عقود التدبير المفوض لمرفقي جمع النفايات المنزلية وما يماثلها والتنظيف بجهة الرباط _ سلا _ القنيطرة المنشور على موقعه الرسمي، حيث وقف على أن بعض الجماعات الترابية اعتمدت التدبير المفوض منذ سنة 2001 وحتى في غياب أي نص قانوني يسمح بذلك، وخلص إلى أن هذه الالية تتطلب التجويد والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة .
وفي المقابل أبدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيه بعد الإحالة رقم 18/2015 حول التدبير المفوض ، حيث خلص إلى أنه يتعين على الجماعات الترابية أن تتوفر على حرية اختيار صيغة التدبير الملائم لها وأن الترسانة القانونية والتنظيمية للتدبير المفوض لا تحقق الانسجام بين النصوص المنظمة للصفقات العمومية، وبالتالي يتعين القيام بإصلاح شمولي يؤدي إلى استبدال الإطار القانوني والتنظيمي الحالي بإطار تشريعي شمولي، يهم التدبير المفوض، وعقود الامتياز، وعقود الشراكة وغيرها، فضلا عن وضع قانون شامل ومنسجم يتعلق بالصفقات العمومية، وكذا إحداث مرصد للتدبير المفوض، في إطار الهيئة المركزية المكلفة بالصفقات العمومية، كما أن عقود تفويض المرفق العمومي المبرمة والمشاريع يستدعيان التوفر على خبرات رفيعة المستوى من مختلف الجوانب التقنية والقانونية والمالية. هذا ، وإنه للتذكير ، أشير بأنه سبق وأن صدر عن وزير العدل بتاريخ 30 يناير 1970 ، المنشور عدد 517 في موضوع التبرع لفائدة منكوبي الفيضانات موجه إلى المسؤولين القضائيين ورد فيه بأنه " فتلبية للنداء الذي وجهه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم الحسن الثاني نصره الله ، يشرفني أن أطلب منكم دعوة جميع الموظفين المنضوين تحت نفوذكم وعلى جميع المستويات للمساهمة بكيفية فعالة – كل حسب إمكانياته- في حملة التضامن لفائدة منكوبي الفيضانات العرب التي دشنها حفظه الله أخيرا بنفسه. وفي هذا الصدد تجدون صحبة هذا المنشور قوائم لتسجيل أسماء المتبرعين تحمل هذه اللوائح الاسم الشخصي والعائلي للمتبرع والإطار الذي ينتمي إليه والقدر المتبرع به تم توقيعه وتجدر الإشارة إلى أن التوقيعات ستعتبر بمثابة توصيل عن المبلغ المدفوع. هذا وستجمع الاكتتابات تحت مسؤولية الرؤساء الذين سيتعين عليهم دفعها باسم إقليمها القضائي إلى بنك المغرب في الحساب رقم 24.0008.5 الذي عنوانه "السيد الوزير الأول" تبرعا لفائدة منكوبي فيضانات سنة 1970.كما تجدر الإشارة إلى أن القوائم الخاصة بالموظفين العاملين بالملحقات والممضاة من طرفها والمبالغ المتبرع بها يتعين رفعها إلى السادة رؤساء محاكم السدد ليوجهونها بدورهم بعد ضمها للوائحهم الخاصة إلى رؤساء المحاكم الإقليمية الذين سيتولون الدفع نيابة عن الإقليم كله. تم توجه الوصولات والقوائم إلى الوزارة لتقوم بمراجعة الحسابات....."
ونعتبر ما تضمنه القانون المالي السابق والحالي بلورة لما ورد في المنشور أعلاه، بحكم الزيادة في التأمين عن السيارات والاقتطاع الذي سيباشر انطلاقا من شهر يناير 2021 بالنسبة لدخول كبار الموظفين ومن في حكمهم، الشيء الذي سيخفف من آثار الفيضانات على المواطنين البسطاء.