النيابة الشرعية:
مقدمة:
لقد كرم الله سبحانه المال والبنون وجعلهما زينة الحياة الدنيا وذالك في قوله عز وجل { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أمَلاً }[1] وخلق الإنسان في أحسن تقويم ومنحه العقل السليم ليميزه عن سائر المخلوقات تكريما له من جهة، وليستعين به في كشف معالم الحياة ومكنُوناتها من جهة وليكون خليفته في هذه الأرض ويحسن الاستخلاف من جهة أخرى.
واقتضت حكمته تعالى أن لا يجعل عباده جميعا يتمتعون بكافة قواهم العقلية والنفسية فابتلى بعضهم بفقدان الملكات العقلية وأخرى نفسية ليكون كل ذلك عبرة لكافة خلقه ومجالا للتعاون والتكافل الذي أمر الله تعالى به عباده فيساعد بذلك قويهم ضعيفهم .
فالإنسان بطبعه عاجز ضعيف، وهذا العجز والضعف يرافقه منذ نشأته في بطن أمه إلى حين بلوغ سن الرشد، وقد يطرأ عليه بعد بلوغه كما هو الحال بالنسبة للمجنون والسفيه والمعتوه، فالإنسان أمام وضعين في حياته فإما أن يكون في وضع يسمح له بصون نفسه وحقوقه المادية والمعنوية وإما أن يكون إزاء وضع لا يستطيع معه التصرف لمصلحة نفسه أو غيره تصرف العقلاء، بحيث يصيبه ضرر في نفسه وإدراكه لذلك كانت الحاجة باعتباره ضعيفا إلى من يرعى مصالحه ويصون حقوقه.
والذي يُجمع عليه أن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، فهي المنبع الذي يستسقي منه الفرد فصيلته الأساسية والتي تظل ثابتة، وعن طريقها يتشكل ويتبلور كيانه .
لهذه الأهمية وغيرها أولت التشريعات اهتماما كبيرا يتجلى في وضع إطار تنظيمي يُعنى بتأطير الأسرة وكل ما يتعلق بها أيما اهتمام، وتجسد ذالك من خلال المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات كا : " اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989 " كما يظهر ذالك جليا من خلال تنزيل مقتضيات الدستور بما يروم تحقيق مصالح الطفل، الأم، الأسرة ككل، وأوكل الشارع للأسرة والدولة بكافة أجهزتها مهمة ضمان الحماية القانونية والاجتماعية لجميع الأطفال بكيفية متساوية[2] بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.
وكما سبق القول أن هذه التشريعات وهي في سبيل توفير الحماية للقاصرين أو ذوي عوارض الأهلية اضطلاعا بالدور المنوط بها، قد أوجدت أنظمة خاصة تتمثل في مجموعة من الآليات لتكريس تلك المهمة لا تقع تحت الحصر، يبقى أهمها النيابة الشرعية .
وإن كان المشرع المصري لم يطلق عليها نفس الاسم بل اكتفى بتضمين الولاية في الفصل الأول من الباب الأول من خلال المواد 1 إلى 26 من القانون رقم 119 الصادر سنة 1952 ونظم الحجر في الباب الثاني إلى جانب المساعدة القضائية والغيبة التي أفرد لها المواد من 65 إلى 69 من نفس القانون .
أما بالنسبة للمشرع الفرنسي فقد كان سباقا للمصادقة على الاتفاقيات التي تعنى بحماية حقوق الطفل وضمنها في أكثر من قانون بما يتلاءم والتشريعات المقارنة كما هو الحال في قانون الأسرة الفرنسي Droit de famille et sociale والقانون المدني Droit civil[3] .
أما المشرع المغربي فظل يسند تنظيم مجال الأحوال الشخصية إلى أحكام الشريعة الإسلامية، إلى غاية صدور مدونة الأحوال الشخصية سنة 1957 والتي كان الهدف منها ملائمة تنظيم مجال الأحوال الشخصية مع المتغيرات التي شهدها العالم آنذاك ، لكن بمرور السنوات أصبحت المدونة محل نقاش واسع بما تتضمنه من أحكام وعبارات ونصوص رآها الكثيرون لا تستجيب للمرحلة الجديدة التي أصبح المغرب خاصة والعالم عامة يعيشها .
وهكذا وفي إطار الدوافع والمرجعيات المشار إليها، وخاصة منها الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تعهد المغرب باحترامها وتطبيقها كانت الحاجة ماسة لمراجعة جوهرية لمدونة الأحوال الشخصية وإصدار مدونة جديدة تستجيب لمتطلبات الحداثة ، وهكذا صدرت مدونة الأسرة بتاريخ 03 فبراير 2004 والتي حاول من خلالها المشرع تلافي بعض النواقص التي كانت محط نقاش وجدل خلال سريان مدونة الأحوال الشخصية خاصة ما تعلق بحماية المرأة والطفل، وفي هذا الخصوص قدم المشرع ضمانات جديدة لحماية القاصرين والمحجور عليهم وذالك من خلال مقتضيات القسم الثاني من الكتاب الرابع المعنون بالنيابة الشرعية تضمن الباب الأول من هذا القسم الأحكام العامة للنيابة الشرعية وتضمن الباب الثاني صلاحيات ومسؤوليات النائب الشرعي ليخصص في الأخير الباب الثالث للرقابة القضائية .
فما مدى توفق المشرع في تدارك النقص الحاصل في مدونة الأحوال الشخصية بخصوص النيابة الشرعية ؟ وهل المقتضيات المضمنة في مدونة الأسرة كفيلة بتحقيق الحماية اللازمة للمحاجير ؟ وما هي الوسائل التي اعتمدها المشرع بهدف الوصول إلى الغاية من النيابة الشرعية ؟
للإجابة على الإشكاليات المطروحة أعلاه سنتناول الموضوع وفق التصميم الآتي :
المبحث الأول : مفهوم النيابة الشرعية وصلاحيات ومسؤوليات النائب الشرعي:
المبحث الثاني : الرقابة القضائية على النائب الشرعي :
المبحث الأول: مفهوم النيابة الشرعية وصلاحيات ومسؤوليات النائب الشرعي:
معلوم أن الإنسان قبل استكمال أهلية الأداء كاملة يحتاج إلى من يدير شؤونه لأنه لا يستطيع أن يقوم بنفسه بهذه الحاجات لعجزه عن ذلك، ولهذا وضع المشرع المغربي ضمانات قوية لتوفير الحماية اللازمة للقاصر ولعل أهمها تخصيص القاصر بنيابة شرعية تتكفل بإحاطته بالحماية اللازمة، فما المقصود بالنيابة الشرعية (المطلب الأول) وما هي صلاحيات ومسؤوليات النائب الشرعي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم النيابة الشرعية:
إن تناول مفهوم النيابة الشرعية يقتضي منا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين نتناول في فقرته الأولى تعريف النيابة الشرعية لغة واصطلاحا، وفي فقرته الثانية نتطرق إلى أنواع هذه النيابة الشرعية.
الفقرة الأولى: تعريف النيابة الشرعية:
النيابة لغة: نقول ناب ينوب (منابا) قام مقامه، والنوبة والنيابة بمعنى جاءت نوبتك ونيابتك، وهم يتناوبون النوبة في الماء وغيره.[4]
وقد جاء في لسان العرب: ناب عني فلان ينوب نوبا ومنابا أي قام مقامي وناب عني في هذا الأمر.
أما اصطلاحا فتعرف النيابة بأنها سلطة تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء التصرفات القانونية وتنفيذها نيابة عن المُولى عليه، كأن يتصرف في أموال أبنائه القُصّر أو يقوم بحضانتهم أو بتزويجهم.[5]
وتعرف النيابة الشرعية بوجه عام، بكونها قدرة أو سلطة قانونية لشخص معين في مباشرة التصرفات القانونية باسم ولحساب غيره من عديمي أو ناقصي أو كاملي الأهلية ممن تقوم بهم بعض موانعها وبما ينتج آثارها في حقهم.[6]
والنيابة الشرعية ثابتة شرعا لفائدة العاجزين عن التصرف بأنفسهم بسبب الصغر والسفه وما في معناهما، فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل عليها، منها قوله تعالى: {وَلاَ تُؤتُوا السّفُهَاءَ أمْوَالَكُمْ الّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيّماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَى إذَا بَلَغُوا النّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أمْوَالَهُمْ}[7]، وقوله سبحانه {وَانْكَحُوا الَأيَامَى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ}[8]
الفقرة الثانية: أنواع النيابة الشرعية:
تنص المادة 229 من م.أ على أن النيابة الشرعية عن القاصر إما ولاية أو وصاية أو تقديم، وبذلك تكون قد حافظت على نفس الصيغة الواردة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في مادتها 247.
فالولاية في جوهرها ضرب من النيابة التي بمعناها العام أن يقوم شخص بتصرف محل شخص آخر، والنيابة العامة تتخذ إحدى الصورتين إما اختيارية أو إجبارية. [9]
فالأولى هي تفويض التصرف إلى الغير عن طريق الوكالة وأما الثانية فهي الولاية التي يفوض فيها المشرع أو القضاء التصرف لمصلحة القاصر بالنيابة عنه إلى شخص آخر، وذلك كالولي الذي يعتبر هو الممثل الشرعي للقاصر، وهو ما يؤكده قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 29/03/2006 ملف عدد 323/ 2 /1/ 2004 ومما جاء فيه "لكن حيث أن المحكمة المطعون في قرارها قدرت الوثائق المدلى بها في الملف بما لها من سلطة في ذلك مما استخلصته منها ومما عللت به قرارها من أن الصغير غير الراشد يحوز عنه وليه في الهبة سواء كان الواهب هو أو غيره إلى أن يبلغ سن الرشد القانوني فيحوز لنفسه قبل حصول المانع".
وتنقسم النيابة الإجبارية باعتبار وصفها إلى ولاية ووصاية وتقديم.
فالولاية هي النيابة التي يمارسها الأب ثم الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقده أهليته عن أبنائه القاصرين وهي نوعان: ولاية على النفس وتتعلق بأمور المولى عليه الشخصية كالتعليم والتطبيب والتشغيل والزواج، وولاية على المال والتي تعطي لصاحبها الحق في إبرام التصرفات بأصول المولى عليه كالبيع والشراء[10] واستثمار أموال المُولى عليه وإجراء التصرفات القانونية الخاصة بها بهدف المحافظة عليها وتنميتها، وهي تثبت حاليا للأب وللأم في حالة عدم وجوده أو غيابه ، وقد تثبت استثناء للوصي أو المقدم.[11]
والولاية بنوعيها المالية والشخصية قد أقرها المشرع للأب والأم ، ومن بعده للجد من الأب ، وعند انعدام الأب والأم والجد تقدم ولاية النفس على ولاية المال بأنفسهم على ترتيب الإرث، وبخصوص الولاية على مال القاصر عند عدم وجود الأب أو فقده لأهليته فالمشرع فوضها مبدئيا للأم، وعند انعدامها تعطى لوصي الأب ثم وصي الأم.
وهكذا فالوصاية تعني أن يوصي الأب أو الأم لشخص بأن يتولى شؤون أبنائه القاصرين وصيانة حقوقهم بعد وفاته[12].
فوصي الأب يمارس النيابة الشرعية عند عدم وجود الأب والأم الراشدة، وبعد عرض الوصية على القاضي المكلف بشؤون القاصرين للتحقق منها وتثبيتها بعد التأكد من توفره على الشروط القانونية، مع العلم أنه يمكن تثبيت وصيته مؤقتا إذا لم تكن الأم راشدة فإذا أصبحت كاملة الأهلية صارت لها النيابة الشرعية، وإذا اجتمع وصي الأب مع الأم الراشدة فإن مهمته تنحصر في مواكبة وتتبع إدارة الأم لشؤون الموصى عليه الشخصية والمالية، مع رفع الأمر إلى القضاء إذا تبين له سوء تدبيرها.
أما وصي الأم المتوفر على الشروط القانونية، فيمارس النيابة الشرعية عند عدم وجود الأب، والأم، ووصي الأب، وبعد تثبيت وصيته من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين.[13]
وفي حالة انعدام الوصي فإن النيابة يمارسها القاضي، إلا أنه ومع كثرة الأعمال والمهام المنوطة به فإن المشرع فوضها لشخص تتوفر فيه شروط الولاية لإدارة شؤون القاصر وتسيير أحواله، وهو ما يسمى بالمقدم.
فالمقدم إذن حسب ما سبق هو الذي ينصبه القاضي عند عدم وجود الولي أو الوصي والذي يتم تعيينه حسب المادة 244 من مدونة الأسرة من بين العصبة أو الأقارب أو من الغير، كما يمكن الجمع بين شخصين في التقديم إذا رأت المحكمة في ذالك مصلحة للمحجور، وتحدد في هذه الحالة صلاحيات كل واحد منهم.[14]
من خلال ما سبق يتضح أن من أبرز مستجدات مدونة الأسرة بخصوص النيابة الشرعية؛ إعطاء المقدم ولاية تامة على المحجور في جانبها المالي والشخصي على خلاف ما كان عليه الأمر في ظل مدونة الأحوال الشخصية حيث كانت ولاية المقدم محدودة النطاق ومقتصرة على الجانب المالي فقط .
كما نستشف من خلال المواد 230 و 231 من مدونة الأسرة أن المشرع أصبح يضفي على الأم صفة ولية شرعية مباشرة وذلك بخلاف ما كانت عليه في ظل م.دونة الأحوال الشخصية[15] حينما كانت مجرد مقدمة شرعية عن أبنائها ليس إلا، تمارس ولايتها لا عند وفاة الأب أو فقده أهليته فقط وإنما حتى عند عدم وجوده، مع ما لهذه العبارة من شمولية إذ أنها تشمل وفاته وغيبته أو كونه مجهولا وغيرها من الأمور التي تنصب في خانة نطاق المصطلح المذكور، وقد خولت المدونة كذلك للأم القيام بالمصالح المستعجلة والتي لا تحتمل التأخير عند عدم وجود مانع للأب كالمرض أو السجن وغيرها.[16]
كلها إذن مستجدات بطبيعتها تسير في اتجاه تكريس مقاصد المدونة المتمثلة في "إنصاف المرأة وحماية الطفل وحفظ كرامة الرجل".[17]
المطلب الثاني : صلاحيات ومسؤوليات النائب الشرعي :
إذا كان النائب الشرعي ملزم بالعناية بشؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكوين وإعداد للحياة، والقيام بكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العادية لأموال المحجور بما يضمن مصلحة القاصر(الفقرة الأولى) فإن إخلاله بواجبه قد يعرضه للمساءلة (الفقرة الثانية) .
الفقرة الأولى : صلاحيات النائب الشرعي :
لكل من ولي النفس وولي المال صلاحيات تتفق مع مهمة ومصلحة المولى عليه فمدلول الولاية على النفس يرتكز أساسا على توجيه القاصر والعناية بتربيته[18] من تأديب وتهذيب ورعاية صحية وإعداده للحياة عبر تعليمه وتثقيفه والإشراف على زواجه وهو ما نص عليه المشرع في المادة 235 من مدونة الأسرة[19] ، أما مدلول الولاية على المال فتشمل صلاحيات النائب الشرعي بمقتضاه تنمية مال المحجور والحفاظ عليه واستثماره باتفاق المذاهب الأربعة، ولقوله صلى الله عليه وسلم" اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة "[20].
وتسند مدونة الأسرة الولاية إلى الأب الذي يمارسها على ابنه القاصر حتى بعد انحلال ميثاق الزوجية بطلاق أو تطليق وإسناد الحضانة للأم، إذ يبقى الأب دائما الولي الشرعي على أبنائه القاصرين و يمارس ولايته بنوعيها باتفاق الفقهاء وقد عللوا ذلك بالإجماع على أن شفقة الأب فوق شفقة كل الناس ولأن الولاية إنما شرعت لمصلحة الصغير وليس هناك من يراعي هذه المصلحة مثل الأب.[21]
وقد اشترط المشرع في ولاية الأب أن يكون كامل الأهلية بصريح نص المادة 231 من م.أ ،وكمال الأهلية يستلزم أن يكون راشدا، والرشد يستلزم العقل والبلوغ فلا ولاية لصبي، ولا مجنون، ولا معتوه، ولا سفيه لأنه لا ولاية لكل واحد منهما على نفسه ففاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا كان الأب هو صاحب الولاية شرعا وقانونا فإن مدونة الأسرة في المادة 231 أسندت الولاية بعد الأب إلى الأم الراشدة بتوفر شرطين متلازمين أوردهما المشرع في المادة 238 من م,أ وهما: وجوب كمال أهليتها وعدم وجود الأب بسبب غياب أو فقدان للأهلية، وطبقا لذلك صارت الأم ولية على أبنائها بحكم القانون أي دون أن يستلزم ذلك استصدار حكم من القضاء كما أنها تأتي في المرتبة قبل وصي الأب[22]، غير أن ولاية الأم لا تُسقط وصي الأب بل من حقه أن يعمل بجانبها، وتقتصر مهمته على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة وذلك مراعاة للخلاف، لأن المشهور عند المالكية كما سبق أن الأم لا ولاية لها فيقدم عليها وصي الأب.[23]
وبما أن الأم الراشدة أصبحت لها الولاية بحكم القانون فإنها تكون مسؤولة عنهم طبقا لمقتضيات الفصل 85 من ق.ل.ع الذي ينص على مسؤولية الأم بعد موت الأب وهكذا إذا توفرت شروط ولايتها تثبت لها الولاية على أولادها القاصرين و إذا انتفيا أو انتفى أحدهما لا تثبت لها الولاية المذكورة.
وإذا كان هدف المشرع من النيابة الشرعية يستهدف الحفاظ على أموال المحجور من الضياع فإنه لم يكتفي بإسناد مهام النيابة الشرعية إلى الولي فقط بل أعطى لهذا الأخير الحق في تعيين شخص للقيام بهذه المهمة بعد وفاته خشية ضياع مصالح القاصرين ويسمى كما سبقت الإشارة إليه بالوصي.
فولاية الوصي هاته مستمدة من الأب وثابتة له بطريق الخلافة عنه، والوصي إما أن يكون معينا من قبل المتوفى فيسمى الوصي المختار أو يكون منصوبا من قبل القاضي وهذا يسمى مقدم القاضي.[24]
وسواء كان النائب الشرعي وصيا أو مقدما فإنه يجب أن يكون مستوفيا للشروط المتطلبة قانونا وهي أن يكون عدلا أمينا على ما ندب إليه وأن يكون عاقلا بالغا[25] وذلك حتى يضطلع بالصلاحيات المنوطة به بالشكل الذي يخدم مصلحة القاصر الشخصية و المالية.
الفقرة الثانية: مسؤوليات النائب الشرعي:
يضطلع النائب الشرعي بمهام على قدر كبير من الأهمية في إطار تدبير أموال القاصر، إذ يتعين عليه الحرص على رعاية هذه الأموال وتنميتها وأن يتلافى إلحاق الضرر بها عبر الإحجام عن الإتيان بكل ما من شأنه تضييع تلك الأموال التي ائتمن عليها تحت طائلة قيام مسؤوليته المدنية.
ويلتزم النائب الشرعي بالتزامات متعددة تهدف في مجملها إلى حسن إدارة أموال القاصر والحرص على عدم الإضرار بها، وتجد هذه الالتزامات أساسها في القانون من خلال مدونة الأسرة[26]، وفي هذا الإطار يستفاد من المادة 257 من م.أ أن الوصي أو المقدم ملزم خلال إدارته شؤون المحجور بالمحافظة على أمواله ومصالحه من الضياع والتلف بصفة أساسية ومطالب باستثمار هذا المال لجلب المنفعة للمحجور ما أمكن ذلك، وعليه أن يدير هذا المال بحزم وأمانة وحيطة ويقظة حتى لا يتعرض للتلف والضياع.[27]
يضاف إلى ذلك أنه يمكن مساءلة الوصي أو المقدم جنائيا عن الإخلال بالتزاماته في إدارة شؤون المحجور إذا كان هذا الإخلال يشكل جرما معاقبا عليه قانونا، إذ يفترض في النائب الشرعي الأمانة في رعايته لمصالح المحجور، إلا أن الأمانة قد تغيب عند بعض هؤلاء فيعمدون إلى التطاول على مال القاصر أو يهملونه فيكون مصيره الضياع، وقد يكون محل الإهمال شخص القاصر فلا يهتم لتربيته أو تعليمه أو تكوينه، مثل هذه الأحوال تستدعي مسؤولية النائب الشرعي أمام القضاء الزجري لحفظ أموال القاصر ومصالحه الشخصية والمالية.[28]
إلا أنه ومن خلال المواد المنظمة لمسؤوليات النائب الشرعي في مدونة الأسرة يبدو أنها لم تنص على مساءلة الولي جنائيا في حالة إخلاله بالمهام المنوطة به في رعاية أموال القاصر، إلا أن هذا لا يعني عدم مساءلته عند ارتكابه أفعالا تعتبر من قبيل الجرائم حيث تترتب مسؤوليته الجنائية عن أموال القاصر، متى ارتكب جريمة من الجرائم التي تقع على الأموال كجرائم السرقة أو إساءة الائتمان أو النصب وغير ذالك من الجرائم. كما تثار مسؤولية الولي الجنائية عند الإخلال بالحقوق الشخصية للقاصر في حالة إبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين بكون القاصر معرض للخطر، بحيث تطبق عليه مقتضيات جرائم إهمال الأسرة[29] المنصوص عليها في القانون الجنائي، وثبوت مسؤولية الولي الجنائية يترتب عليها تجريده من الولاية.
وتأكيدا من المشرع على مسؤولية الوصي أو المقدم فقد ألزمه في نهاية مهمته حسب الأحوال المذكورة في المادة 259 من م.أ تقديم حساب مرفق بالحجج والوثائق المثبتة لما ورد فيه داخل مدة يحددها القاضي المكلف بشؤون القاصرين والتي لا يمكن أن تتجاوز ثلاثون يوما إلا لعذر قاهر تحت مساءلته عن الأضرار المترتبة عن كل تأخير غير مبرر في تقديم الحساب وتسليم الأموال .
وهكذا يتضح أن المشرع وضع على عاتق النائب الشرعي مسؤوليات جسيمة إلماما منه بأهمية الدور المنوط به في رعاية القاصر سواء في جانبه الشخصي أو المالي، وهكذا يكون المشرع قد وفق إلى حد ما في حماية المحجور كهدف أسمى لمدونة الأسرة، ولتعزيز هذه الحماية فقد أوكل المشرع إلى القضاء مهمة مراقبة النائب الشرعي أثناء ممارسته لمهامه وهذا ما سيأتي تناوله بالتفصيل في المبحث الموالي.
المبحث الثاني : الرقابة القضائية على النائب الشرعي :
تعد الرقابة القضائية أهم صلاحية أو اختصاص خوله القانون للقضاء، يمارسه عبر مجموعة من الإجراءات التي تشكل في مجملها سياجا متينا يحمي أموال القاصرين، حيث يخضع النائب الشرعي سواء كان وليا أو وصيا أو مقدما لقواعد وضوابط تهدف إلى حماية مصالح المحجور تحت ولايته وذلك في إطار المبدأ العام الرامي إلى التصرف في أمواله بما يحقق مصلحته، وهذه القواعد منها ما هو خاص بالولي (المطلب الأول) ومنها ما هو خاص بالوصي أو المقدم (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : الرقابة القضائية على تصرفات الولي
تمارس هذه الرقابة من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين وكذا من طرف المحكمة، وهي إما تكون قبل القيام بتصرف يهم القاصر (الفقرة الأولى) أو بعد القيام بهذا التصرف (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الرقابة القضائية القبلية :
عند التمعن في نصوص مدونة الأسرة نجد أنها لم تنص على منع الأب أو الأم عند عدمه من التصرف في مال محجوره بجميع أنواع التصرفات، وهذا يعني أنه لا تقرر أية رقابة قبلية على تصرفات الولي في مال محجوره ما لم يتجاوز المبلغ مقدارا معينا، وقد خول المشرع المغربي للولي الحق في منح الإذن بالتصرف الاختباري للصبي المميز دون الرجوع إلى القضاء حسب منطوق المادة 226 من م.أ[30] .
وهكذا يظهر أن للولي أبا كان أو أما أن يأذن للقاصر المميز بتسلم جزء من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار دون الرجوع للقاضي[31]، وهذا الحق بالإذن يمتد ليشمل سحبه أيضا في حالة ظهور ما يثبت عدم أهلية المحجور لتسلم ذالك الجزء من ماله للتصرف فيه .
وإذا كان الولي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة يحظى بصلاحيات واسعة دون أن يخضع لأية رقابة قضائية فإن هذا المقتضى قد تم حذفه، وسلكت بذلك مدونة الأسرة مسلكا يحد من صلاحيات الولي في إدارته لأموال المحجور، وهكذا نصت المادة 240 من نفس المدونة على أنه " لا يخضع الولي لرقابة القضاء القبلية في إدارته لأموال المحجور، ولا يفتح ملف النيابة الشرعية بالنسبة له إلا إذا تعدت قيمة أموال المحجور مائتي ألف درهم (200 ألف درهم). وللقاضي المكلف بشؤون القاصرين النزول عن هذا الحد والأمر بفتح ملف النيابة إذا ثبتت مصلحة المحجور في ذلك . ويمكن الزيادة في هذه القيمة بموجب نص تنظيمي." .
ومن تم فإن المادة أعلاه تعتبر بأن الولي لا يخضع لرقابة القضاء كمبدأ شريطة أن تكون تصرفاته في مصلحة ولده القاصر وإلا وجب تدخل القضاء لحماية مصالح هذا القاصر، ويكون ملزما بفتح ملف النيابة الشرعية بقوة القانون إذا تعدت قيمة أموال المحجور 200 ألف درهم، وبمفهوم المخالفة فكلما كانت المبالغ أقل أو مساوية للمبلغ المحدد لا يكون الولي ملزما بفتح ملف النيابة الشرعية .
الفقرة الثانية : الرقابة القضائية البعدية
إذا كان المشرع قد أعفى الولي من الرقابة القضائية القبلية في إدارته لأموال المحجور، فهذا لا يعني أنه لا رقابة عليه مطلقا، إذ يتم تقييم تصرفاته بعد إتيانها إياه. وبهذا الخصوص نصت المادة 243 من مدونة الأسرة على أنه: " في جميع الأحوال التي يفتح فيها ملف النيابة الشرعية يقدم الولي تقريرا سنويا عن كيفية إدارته لأموال المحجور وتنميته وعن العناية بتوجيهه وتكوينه.
للمحكمة بعد تقديم هذا التقرير اتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية."
وعليه يتفرع التزام الولي حسب هذه المادة بتقديم تقارير سنوية بشأن تسييره لأموال القاصر إذ أنه يدور وجودا وعدما مع التزام الولي بفتح ملف النيابة الشرعية[32]، فالتقارير السنوية تعد بمثابة مكنة لقاضي شؤون القاصرين لبسط رقابته على أعمال الولي.
فتقديم التقرير السنوي عن كيفية إدارة أموال المحجور يدخل في مفهوم الرقابة البعدية للأعمال والتصرفات التي يقوم بها الولي نيابة عن محجوره[33]، فإذا تبين للقاضي أن هناك تقصيرا أو إخلالا في تدبير أموال المحجور أو في العناية بتوجيهه وتكوينه يتعين عليه إشعار المحكمة بذلك لاتخاذ كل الإجراءات التي تراها ملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية والمعنوية[34].
وفي نفس اتجاه تكريس مبدأ الرقابة البعدية للقضاء على تصرفات الولي ألزم المشرع هذا الأخير بتقديم تقرير مفصل عن وضعية أموال المحجور حال انتهاء مهمته إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين لإشعاره بمصير أموال المحجور قصد المصادقة عليه وذلك بعد تأكد القاضي من صحة ما ورد فيه من المداخيل والمصاريف[35].
وهكذا يتضح بشكل جلي أن المشرع سلك مسلكا مغايرا لما كان عليه الأمر في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة إذ قلص من نطاق صلاحيات الولي أباً كان أو أماً في إدارته لأموال القاصر في إطار مدونة الأسرة ساعيا بذالك لتحقيق الحماية اللازمة لأموال القاصر .
المطلب الثاني: الرقابة القضائية على تصرفات الوصي أو المقدم
إذا كان هدف نيابة الوصي أو المقدم على القاصر هو المحافظة على ماله واستثماره فيما يعود عليه بالنفع، فإن ضمان حسن إدارة مال هذا الأخير ومن في حكمه يستلزم إخضاعها لرقابة قضائية سواء قبل قيامهما بالتزامات النيابة الشرعية (الفقرة الأولى) أو بعد القيام بها ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : رقابة القضاء القبلية على تصرفات الوصي أو المقدم
بمجرد وفاة الأب أو الأم تعرض الوصية على القاضي للتحقق منها وتثبيتها والتأكد من توفر الوصي على الشروط القانونية المطلوبة ومن انتفاء موانع الوصية، وإذا لم يوجد الوصي عينت المحكمة مقدما للمحجور ليتولى تسيير شؤونه المالية[36].
وبعد إصدار القاضي المكلف بشؤون القاصرين أمرا بتثبيت الإيصاء[37] أو إصدار المحكمة حكما بالتقديم يتعين على الوصي أو المقدم القيام حالا بإحصاء مال المحجور إذا لم يتم إحصاؤه سابقا[38] ، ويتم ذالك بحضور عدلين بأمر من قاضي شؤون القاصرين للإحصاء النهائي والكامل للأموال وما تحمله من حقوق والتزامات بعد إخبار النيابة العامة وبحضور الورثة والنائب الشرعي والمحجور متى تجاوز خمسة عشر سنة .
وتبرز أهمية هذا الإحصاء في حماية القاصرين من سيئي النية من الورثة الذين قد يستغلون وفاة الولي للتصرف في التركة بما يضر بمصالح المحجور، وفي هذا الإطار أجاز المشرع المغربي للقاضي اتخاذ الإجراءات التحفظية اللازمة للمحافظة على التركة في حالة الإبلاغ عن الوفاة ، كالأمر بوضع الأختام على بعض الأموال والتدخل لحماية أموال المحجور[39] .
ويندرج كذلك في هذا الإطار التزام الوصي أو المقدم بمسك كناش التصرف بكل اهتمام وبصفة منتظمة ودقيقة ويسجل فيه كل التصرفات التي يقوم بها باسم محجوره مع تاريخها ومراجع الوثائق المثبتة لها، ويستحسن أن يضمن فيه رسم عدة الورثة ، ورسم الإيصاء، والأمر بتثبيته، أو الحكم بالتقديم ورسم إحصاء التركة، للرجوع إلى ذلك عند الاقتضاء خاصة عند تقديم الحسابات السنوية أو النهائية[40] .
كما للمحكمة أن تعين مشرفا يتولى مهمة مراقبة تصرفات الوصي أو المقدم، وإرشاده لما فيه مصلحة المحجور[41].
ويبقى من أبرز تجليات الرقابة القضائية القبلية على تصرفات الوصي أو المقدم ما نص عليه المشرع في المادة 271 من م.أ من ضرورة حصول المقدم أو الوصي على إذن مسبق من القاضي المكلف بشؤون القاصرين لإجراء بعض التصرفات من قبيل بيع عقار أو منقول للمحجور تتجاوز قيمته 10 آلاف درهم أو ترتيب حق عيني عليه أو المساهمة بجزء من مال المحجور في شركة مدنية أو تجارية أو استثماره في تجارة أو مضاربة وغيرها من التصرفات الواردة على سبيل الحصر في المادة السالفة الذكر.
ورغم تعدد أوجه الرقابة القبلية للقاضي على تصرفات الوصي أو المقدم إلا أنها تبقى غير كافية لتحقيق المرجو من هاته الرقابة، لهذا أولى المشرع للقضاء رقابة أخرى هي الرقابة البعدية والتي ستكون موضوع حديثنا في الفقرة الثانية .
الفقرة الثانية : رقابة القضاء البعدية على تصرفات الوصي أو المقدم
عمل المشرع على وضع وسائل إجرائية تتيح للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إعمال رقابته على أعمال الوصي والمقدم بمناسبة تدبير أموال القاصرين وتعد التقارير السنوية والتقرير النهائي من أبرز تلك الوسائل وأنجعها، فبفضلها يسهل تتبع الوضعية المالية للقاصرين من خلال ما تتضمنه من معلومات وأرقام حسابية عن حصيلة عمل الوصي والمقدم طيلة السنة الواحدة أو خلال مدة نيابته ككل[42]، حيث يجب على الوصي أو المقدم أن يقدم إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حسابا سنويا عن مختلف المداخيل والمصاريف المتعلقة بمحجوره مع توضيح ما بقي خالصا لفائدة المحجور، ويكون هذا الحساب معززا بجميع الوثائق والحجج التي تزكي ما تضمنه .
وإذا لم يقم الوصي أو المقدم بتقديم هذا الحساب في الوقت المحدد قانونا يتعين على القاضي أن يستدعيه ويأمره بذلك، وإذا امتنع عن تقديم الحساب يمكن إجراء حجز تحفظي على أمواله أو وضعها تحت الحراسة القضائية أو فرض غرامة تهديديه[43].
كما أوجب القانون على الوصي أو المقدم تقديم الحساب خلال آجال يحددها القاضي المكلف بشؤون القاصرين عند انتهاء مهمة الوصي أو المقدم بغير وفاته أو فقدان أهليته المدنية [44].
في الإطار نفسه يلتزم الوصي أو المقدم بمسك كناش التصرف و يسجل فيه كافة التصرفات التي يقوم بها باسم المحجور مع الإشارة إلى تاريخها ، فالوصي أو المقدم مطالب بمسك الكناش المذكور بكل اهتمام وبصفة منتظمة ودقيقة وفقا للنمودج المحدد، وتبدو أهمية هذا الكناش في تمكين القاضي المكلف بشؤون القاصرين من الإطلاع على كافة التصرفات التي يقوم بها الوصي أو المقدم بالنيابة عن القاصر ، وبالتالي تمكينه من مراقبة جل التصرفات المنجزة لفائدة القاصر حماية له من سيئي النية ، كما يروم هذا الكناش التدقيق في جميع التصرفات سواء المأذون بها أو المعفاة من الإذن ، وذلك لحماية أموال القاصر من كل تلاعب محتمل وأيضا لتبرئة ذمة الوصي أو المقدم واستعماله وسيلة للاحتجاج ضد كل متابعة أو مساءلة قضائية .
ولتعزيز رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين على كل من الوصي والمقدم بمناسبة تدبيرهم لأموال القاصرين ألزم المشرع هذين الأخيرين بتقديم حساب نهائي عن مجمل الأعمال التي قاما بها في حفظ أموال القاصرين وتنميتها وذلك في المادة 259 من م.أ ويبدو من خلال هذه المادة أن المشرع كان صارما في تنظيمه للحساب النهائي، إذ فرض على الوصي والمقدم أن يقدما الحساب النهائي معززا بالمستندات اللازمة داخل أجل يحدده قاضي القاصرين وفي جميع الأحوال داخل أجل ثلاثين يوما ، ما لم يثبت أنّ عذرا قاهرا أعاقه عن تنفيذ التزامه ذاك ، ناهيك على أن المشرع رتب مسؤولية الوصي أو المقدم في حالة تأخير غير مبرر للحساب أو تسليم الأموال حيث نص في المادة 260 من م.أ على أنه " يتحمل الوصي أو المقدم مسؤولية الأضرار التي يتسبب فيها كل تأخير غير مبرر من تقديم الحساب أو تسليم الأموال ".
وقد ساير القضاء المغربي توجه المشرع المغربي في ترتيبه مسؤولية الوصي والمقدم عن إخلالهما بواجب تقديم الحساب النهائي وتسليم الأموال ، حيث قضى المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بأن مقتضيات الفصول 168 و 189 و 170 من مدونة الأحوال الشخصية ( المادة 259 من م . أ) تفرض على الوصي والمقدم الذي انتهت مهمته أن يسلم الأموال التي في عهدته ، ويقدم عنها حساب بالمستندات وإذا أخل بذلك يعد مسؤولا في ماله ، أما سكوت القاصر بعد رشده عن طلب حقوقه من حاجره أو طلب محاسبته لم يرتب عليه قانون الأحوال الشخصية الجاري به العمل ما يجعل الحاجر في حِل من الحساب عما تصرف فيه من أموال محجوره بل جعل العهدة في ذلك كله على الحاجر دون اعتبار لسكوت المحجور بعد رشده ولو طال[45] .
يتضح إذن من خلال ما سبق أن الرقابة القضائية على الوصي والمقدم أوسع نطاقا من تلك التي يفرضها المشرع على الولي ، وهذا نتاجا لطبيعة العلاقة التي تربط الولي ( الأب أو الأم ) مع القاصر والتي تتجاوز مفهوم الرابطة التي تجمع القاصر مع الوصي والمقدم مهما كانا قريبين إليه ، والمشرع بذلك حسن ما فعل عندما شدد الرقابة على هذين الأخيرين لما لذلك من نتائج حمائية على أموال القاصر .
خاتمة :
يبدو من خلال ما تناولناه في بحثنا المتواضع أن المشرع استفاد من النقاش والجدل الذي كانت مدونة الأحوال الشخصية مضمارا له وتدارك بعض النواقص التي لم تعد تلائم المرحلة الجديدة التي يعيشها العالم عامة والمغرب خاصة ، وقد بذا لنا أن المشرع وسعيا منه إلى حماية الأسرة بكل مكوناتها حاو التوفيق بين ما هو ديني وما هو قانوني ، يتجلى ذلك أساسا في الولاية التي أصبحت من حق الأم كما هو حال الأب وهذا فيه تكريس لمبدأ المساواة الذي كان إحدى الشعارات الأساسية التي بنيت عليها هذه المدونة ، كما يتجلى ذلك أيضا في الرقابة التي أصبح القضاء يتولاها على الولي في إدارته لشؤون القاصر بتوفر شروط معينة ، وهكذا لا يسعنا إلا أن نقول أن المشرع وفق إلى حد ما في بلوغ الأهداف المسطرة لمدونة الأسرة ووفر بذلك الحماية اللازمة للقاصرين وإن كانت هذه الحماية ناقصة في بعض جوانبها إلا أنها تبقى مقبولة بالنظر إلى خصوصيات المجتمع المغربي في جانبه الديني والثقافي وغيرها من الجوانب ، وهو ما جعل اليوم مدونة الأسرة محط جدل آخر في بعض جوانبها وأصبح هناك من ينادي بضرورة تعديل بعض مقتضيات هذه المدونة حتى تواكب التطور الذي يعيشه عالم اليوم ، فهل يستجيب المشرع لذلك ؟
الهوامش
[1]ـ سورة الكهف، الآية 46
[2] الفصل 32 من دستور المملكة
[3]ـ la représentation légal du mineur sous autorité parentale ,Thése pour le doctorat en droit privé et sciences criminelles ,le 14 novembre 2011 , Jennifer Porret
[4]- محمد بن محمد عبد الرزاق المرتضى الزبيدي ،تاج العروس من جواهر القاموس، الجزء الأربعون، مطبعة الكويت، الطبعة الثانية.ص 150
[5]- محمد الكشبور، الواضح في شرح مدونة الأسرة الزواج، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1436-2015, ص 342
[6]- الدكتورة سميرة كميلي أضريف ،الأهلية القانونية، دار القرويين للطباعة والنشر، فاس، الطبعة الأولى 2005 ص 52.
[7]- سورة النساء الآية 5و6
[8]- سورة النور الآية 35
[9]- عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح مدونة الأسرة، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1427-2006 ص 56
[10]- محمد الأزهر، شرح مدونه الأسرة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثامنة 2017ص 76.
[11]- محمد الكشبور، م.س، ص 342
[12]- عبد الله (بن الطاهر) السوسي التناني، شرح مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي وأدلته، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2015 ص 69.
[13]- محمد بفقير ، مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، طبعة 1427_2006 ص 206.
[14]- المادة 244 من م.س.
[15]- المادة 148 من م.ح.ش.
[16]- مقال لعمر لمين، مستجدات مدونة الأسرة فيما يتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، المعهد العالي للقضاء 2004 ص 124.
[17]- مقتطف من الخطاب الملكي ليوم الجمعة 10 أكتوبر 2003 بمناسبة افتتاح دورة البرلمان .
[18]- محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة،المطبعة الوطنية والوراقة، مراكش الطبعة الثالثة، ،ص 223
[19]ـ تنص الفقرة الأولى من المادة 235 من م.س على : "يقوم النائب الشرعي بالعناية بشؤون المحجور الشخصية من توجيه ديني وتكويني وإعداد للحياة، كما يقوم بكل ما يتعلق بأعمال الإدارة العادية لأموال المحجور."
[20]ـ أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو صحيح.
[21]ـ عبد الله (ابن الطاهر) السوسي التناني م.س، ص83
[22]ـ محمد الشافعي م.س، ص223
[23]ـ عبد الله (ابن الطاهر) السوسي التناني م.س، ص88
[24]ـ ينص الفصل 85 من ق.ل.ع على "...الأب فالأم بعد موته، يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما."
[25]ـ عبد الكريم شهبون م.س، ص69
[26]ـ مصطفى يعقوبي، "المسؤولية المدنية للنائب الشرعي في إدارة أموال القاصر"، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون المدني 2016ـ2017، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، ابن زهر أكادير، ص 9 .
[27]ـ عبد الكريم شهبون م.س، ص 89.
[28]ـ مليكة الغنام، "إدارة أموال القاصر على ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي"، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2010، ص 238 .
[29]ـ جريمة إهمال الأسرة نص عليها المشرع في القانون الجنائي في الفصول من 479 إلى 482.
[30]ـ تنص المادة 226 من م. في ف 2 "...يصدر الإذن من الولي أو بقرار من القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر ."
[31]ـ مليكة غنام م.س ص 172.
[32] ـ مصطفى يعقوبي م.س ص 18.
[33]ـ مليكة غنام، م.س، ص177.
[34]ـ عبد الكريم شهبون، م.س، ص75.
[35]ـ المادة 242 من م.أ .
[36]ـ مليكة غنام م,س، ص 180.
[37]ـ المادة 337 من م,أ .
[38]ـ المادة 249 من م,أ.
[39]ـ المادة 221 من ق.م.م .
[40]ـ منشور صادر عن وزير العدل بتاريخ 02/02/2005 تحت عدد 52 حول تطبيق مقتضيات المواد 231 و 250 من م.أ
[41]ـ المادة 248 من م.أ
[42]ـ مصطفى يعقوبي، م.س، ص 26
[43]ـ المادة 270 من م,أ
[44]ـ المادة 259 من م.أ
[45]ـ قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 04 ـ 01 ـ 1969 تحت عدد 113 ، أورده محمد بفقير ، م.س ص 362