أحكام التطليق الباتة وأثرها السلبي على الإجتهاد القضائي

 الأثر السلبي لبتية الأحكام الصادرة في مادة التطليق على الإجتهاد القضائي قرآة في الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة



د/ محمد أوزيان 

مفتش إقليمي بوزارة المالية والخوصصة

عرف مجال الأحوال الشخصية بالمغرب تطورا ملحوظا بصدور القانون 03/ 70 بمثابة مدونة الأسرة،(1) تطورا مرده إلى مجموعة من المقتضيات التي تضمنها القانون المذكور، وهي مصنفة على مستويين:

مقتضيات تشريعية ذات طابع تعديلي: أي عدلت موادا من مدونة الأحوال الشخصية سواء تعديلا شكليا أو موضوعيا، ومن هذه المقتضيات على سبيل المثال لا الحصر المادة 78 من مدونة الأسرة التي تنص على أن "الطلاق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة".

فهذه المادة عدلت شكلا وموضوعا صيغة المادة 44 من مدونة الأحوال الشخصية والتي كانت تنص على أن: "الطلاق هو حل عقدة النكاح بإيقاع الزوج أو وكيله أو من فوض له في ذلك أو الزوجة إن ملكت هذا الحق أو القاضي".

فالمقابلة بين نص المادة 78 ونص المادة 44 يتضح من خلالها نطاق التعديل والتدخل التشريعي الذي عرفته المادة 44، فقد أصبح الطلاق بيد الزوج والزوجة بعد أن كان يمارس في الغالب بيد الزوج، مع جعل هذه المسطرة تحت المراقبة القضائية وهو تعديل موضوعي، أما التعديل الشكلي فقد هم الحقل الدلالي الاصطلاحي للمادة 44، فبعد أن كانت تتحدث هذه الأخيرة عن حل عقدة النكاح، تتحدث المادة 78 عن حل ميثاق الزوجية، وعند الجمع بين هذه التعديلين يتحقق عنصر التعديل ذو طابع المزاوجة الموضوعية والشكلية في صيغة المادة 78.

مقتضيات تشريعية ذات طابع الجدة: أي قررت لأول مرة ضمن مواد مدونة الأسرة إما لتجاوز سلبية معينة أو لضمان فعالية مسطرية ما، ومن هذه المقتضيات على سبيل المثال لا الحصر ما تنص عليه المادة 128 من مدونة الأسرة في فقرتها الأولى: " المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية." 

فهذا المقتضي أعطى وصف البتية Tinattaquabilite للأحكام القضائية الصادرة في مختلف أنواع الطلاق وجعلها غير قابلة لأي طعن عاديا كان أو غير عادي(2)، وهو بذلك مقتضى يتسم بالجدة وينسخ جزئيا الفصل 213 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه: "يقدم الاستئناف إلى محكمة الاستئناف وتنظر فيه بغرفة المشورة ويصدر القرار في جلسة علنية". بل إن هذا المقتضى أي الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة أصبح يتجاوز أيضا مضمون الفصل 316 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه "لا يوقف الطعن أمام المجلس التنفيذ إلا في الأحول الآتية:

1- في الأحوال الشخصية،
2- في الزور الفرعي، 
3- التحفيظ العقاري".

إنه بالفعل مقتضی مسطري ينبغي دراسته لزاما(3) وذلك لإيجاد مناط تقريره وأثره على وضعية المتقاضين وفق للضوابط المسطرية في مدونة الأسرة، وعليه للتفصيل في هذا الموضوع أكثر فإني سأتوقف عنده عبر محطتين كالآتي :

المطلب الأول: الأساس الاجتهادي لإقرار بتية الأحكام الصادرة في مادة التطليق، 

المطلب الثاني: العمل القضائي الموازي لتطبيق الفقرة الأولى من المادة 128 

المطلب الثالث: وجهة النظر الخاصة 

المطلب الأول: الأساس الاجتهادي لاقرار بتية الأحكام الصادرة في مادة التطليق:

تنص الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة بالحرف الواحد على أن: " المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو الفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية."

فهذا المعطي التشريعي يعتبر قاعدة مسطرية أساسية على مستوى التقاضي الذي يهم دعاوی التطليق، قاعدة مفادها أنه لا طعن عادي أو غير عادي في مثل هذه الدعاوى القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية"(4)(5) ولعل الحكمة من إقرار هذا المقتضى التشريعي تتجلى في وضع حد لمعاناة الزوجات اللواتي كن يحصلن على حكم ابتدائي بالتطليق بناء على أحد الأسباب المنصوص عليها في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ويباشرون إجراءات التبليغ وفق الإجراءات المسطرية المفصلة في المواد 37 و 38 و 39 و41 من قانون المسطرة المدنية من أجل صيرورة الحكم المذكور نهائيا ومكتسبا لقوة الشيء المقضي به بمجرد فوات الأجل القانوني للطعن المخول للزوج، إلا أنهن كن يفاجأن بالطعن بالاستئناف ضد الحكم القانوني للطعن المحول للزوج، إلا أنهن كن يفاجأن بالطعن بالاستئناف ضد الحكم بالتطليق، ثم الطعن بالنقص مع العلم أن الطعنين معا يوقفان التنفيذ طبقا للفصلين 134و361 من القانون المسطرة المدنية، بل هناك من يعتبر أن المادة 128 قد حسمت مشكلة اجتماعية وإنسانية كبيرة عندما نصت على أن: " المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو الفسخ، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية" حتى تتضح وضعية الطرفين نهائيا، ويتمكن كل منهما من إعادة بناء حياة جديدة مع من يرتضينه زوجا له، وخاصة المرأة التي عانت في ظل الوضع السابق من تعسف كبير من بعض الأزواج سيني النية الذي كانوا يجدون في استعمال مختلف طرق الطعن وسيلة لعرقلة حصول المرأة على الطلاق، تاركينها "معلقة"، في حين يبادرون هم إلى بناء حياة جديدة مع زوجة أخرى.

وقد طرح استفسار نيابي عن سبب اعتماد المادة 128 بصيغتها البتية المضفاة على أحكام التطليق بجميع أنواعها، فأجاب السيد وزير العدل بأن: "الغاية من ذلك هي سد الذرائع على الأزواج ذوي النيات السيئة الذين لا يتورعون في استعمال أساليب مختلفة لعرقلة حصول الزوجة على الطلاق، والسعي في تطويل إجراءاته، ولو عن طريق ممارسة الطعن في الحكم الصادر به رغم تأكدهم في غالب الأحيان من استحالة استمرار العشرة بصورة عادية، ولذلك فإنه من غير المعقول في مثل هذه الحالة أن يسمح لمثل هؤلاء الأزواج بفرض البقاء على حياة زوجية انعدمت فيها عناصر الاستقرار وشروط العشرة بالمغرب، مما ينبغي معه عدم السماح بممارسة مثل هذا التعسف الذي يؤدي إلى إطالة أمد النزاع، مما يكون انعكاسا سلبيا على حياة المرأة في المستقبل".

علما بأن نص المادة 128 في فقرتها الأولى لما عرض مشروع مدونة الأسرة على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب كان كالآتي:

المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع طبقا لأحكام هذا الكتاب تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية".(6)

ولذلك لوحظ على مستوى اللجنة المذكورة أنه بالرجوع إلى المادة 77 فإنها تنص على أنه يحكم بفسخ عقد الزواج قبل البناء وبعده في الحالات وطبقا للشروط المنصوص عليها في هذه المدونة، أما المادة 128 فإنها تنص بأن المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع طبقا لأحكام هذا الكتاب تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، لذلك تم التساؤل عن سبب سكون المشروع عن "فسخ عقد الزواج" أم أن الأمر يتعلق بسهو، وهل الحكم القضائي بالفسخ قابل للطعن أم لا.(7)

وفي معرض جوابه أوضح السيد وزير العدل فيما يخص الإشارة إلى "فسخ عقد الزواج" في المادة 128 أن الأمر يتعلق بسهو فقط، وأن المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، ووجب بذلك إضافة كلمة "فسخ" لأن الحكم القاضي بالفسح غير قابل لأي طعن.(8)
وهو ما كان بالفعل حيث اعتمدت هذه المطالبة في الصياغة النهائية لنص الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة كما هو منشور بالجريدة الرسمية.
باستعراض مختلف هذه المواقف فإنه يتبين أن الأساس الاجتهادي المعتمد لإقرار بتية الأحكام في مادة التطليق مرده إلى أن الأمر يتعلق بتدبير مسطري فعال غرضه تبسيط المسطرة وعدم إطالة أمد التقاضي وذلك كله بغرض:

. حماية المرأة الراغبة في الطلاق، 
- تحسين جودة الأداء القضائي، 
- المساواة بين طرفي ميثاق الزوجية.

وفي كل الأحوال فإن هذا الأساس الاجتهادي مردود عليه من وجهة نظر مسطرية أخرى تبين أثره السلبي وهو ما سوف يخصص له مطلب ثالث.

المطلب الثاني: العمل القضائي الموازي لتطبيق المادة 128 من مدونة الأسرة.

من خلال نص الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة يستنتج أن الأحكام الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ نهائية وغير قابلة لأي طعن من تاريخ النطق بها ولا تحتاج إلى تبليغها للمعني بالأمر، ما عدا إذا تعلق الأمر بتحديد الحكم المذكور لمستحقات الزوجة والأبناء وصلة الرحم والتعويض عند الاقتضاء، فإن هذا الشق الأخير من الحكم يكون قابلا للاستئناف من طرف من له مصلحة للطعن فيه لذلك يجب أن يبلغ الحكم للمعني بالأمر طبقا للفصول 37، 38 و39 من قانون المسطرة المدنية.(9)

وقد عمل القضاء المغربي على تطبيق مقتضيات الفصل المذكور أعلاه -128- في فقرته الأولى باعتباره نصا قطعي الدلالة لا يتيح للقاضي المجال في التفسير والاجتهاد، وهكذا جاء في قرار المحكمة الاستئناف بالحسيمة أن: "حيث إن محكمة أول درجة رفضت طلب التطليق للشقاق، وحيث إنه ووفق الفصل 128 من مدونة الأسرة فإن الأحكام الصادرة بالتطليق والشقاق والخلع هي التي تكون نهائية أي التي ترفض الطلب تكون ابتدائية وخاضعة للاستئناف بمفهوم المخالفة للفصل المذكور".(10)

وهذا وقد قررت محكمة الاستئناف بالعيون قبول الاستئناف المقدم ضد حكم المحكمة الابتدائية بنفس المدينة الذي قضى برفض طلب الشقاق،(11) وهو قبول مؤسس قانونا باعتبار أن الذي لا يقبل الطعن هو المقررات الصادرة إيجابا في قضايا التطليق أو الخلع أو الفسخ لا تلك المقررات الصادرة سلبا أي برفض طلبات التطليق. كما أنه صدر قرار استئنافي عن محكمة الاستئناف بمراكش يؤكد الدلالة القطعية لمضمون الفصل 128 من مدونة الأسرة جاء فيه : "حيث إن الاستئناف الأصلي غير مقبول شکلا بخصوص الجزء القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية من الحكم المستأنف طبقا لمقتضيات الفصل 128 من مدونة الأسرة فيما ورد من مستجدات بخصوص عدم قابلية المقررات الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية، وأن القانون الخاص يقدم على القانون العام،(12) وبقبوله فيما عدا ذلك من الجزء المتعلق بتحديد المستحقات المتعلقة بالزوجة وتحديد نفقة البنت... وواجب سكناها وأجرة حضانتها وفقا لمقتضيات المادة المذكورة".(13)

الذي يتبين من خلال هذه الأحكام أن العمل القضائي كان واضحا في تطبيق المادة 128 في فقرتها الأولى وذلك بقدر وضوحها، وتعامل القاضي مع المادة المذكورة لا يحتاج إلى احتمال بالمرة لدلالتها القاطعة، ومن تم يكون في غنى عن أي اجتهادا يبذل للوصول إلى المعنى المراد.(14)

المطلب الثالث: وجهة النظر الخاصة

إن ما تقرره المادة أعلاه محل هذه الدراسة رغم ما تحمله من إيجابيات للأسانيد الفقهية المشار إليها سابق، فإنها ذات أثر سلبي على المتقاضين خاصة في مجال الأسرة الذي ينبغي فيه إتاحة الفرصة لجميع الأطراف الذين قد يراجعون موقفهم خلال المرحلة القضائية الاستئنافية مثلا باعتبار أن ذلك غير مستبعد، ثم أن إقرار بتية الحكم من خلال مضمون الفقرة الأولى من المادة 128 هو أمر سلبي لأن هذه البتية ستصبح دون جدوى في ترتيب أثرها الإجرائي إن شاب الحكم نفسه خلل على المستوى الشكلي، كأن يتم مثلا إغفال تضمين الحكم إحدى البيانات الضرورية المنصوص عليها في المادة 50 من قانون المسطرة المدنية؟(15) أو تم إغفال الإجراءات المتعلقة بالصلح كما هي واردة في الفصل 81 و 82 من مدونة الأسرة؟ (16) فهل سيتم هنا إعمال البنية في الجزء الموضوعي من الحكم أي أن ما هو متعلق بموضوع إنهاء العلاقة فإنه غير قابل للطعن ومعاودة النقض، في حين يعتبر الجزء الشكلي من الحكم لن يخضع لأثر البتية بحيث سيكون قابلا للطعن بغرض التصحيح؟ أم أنه يعتبر الحكم باطلا من أساسه دون تمييز بين الموضوع أو الشكل فيتم إلغائه استنادا إلى القاعدة الفقهية التي مفادها: "ما بني على باطل فهو باطل"؟

في محاولة لإيجاد مخرج توفيقي بين بنية المادة 128 من مدونة الأسرة وقطعية بعض النصوص المسطرية العامة، اعتبر الأستاذ محمد الكشبور وآخرون أنه مثلا إذا كان الحكم بالتطليق للشقاق لا يقبل أي طعن في جزئه المنهي للعلاقة الزوجية بغض النظر عن وصفه القانوني، فإن باقي أجزاء الحكم تقبل الطعن وفق الإجراءت العادية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية مع مراعاة وصف الحكم، إذ يحق للطرف المدعى عليه الطعن بالاستئناف في الحكم بالتطليق للشقاق الصادر ضده غيابيا داخل أجل 15 يوما، وإثارته للدفع بعدم الاختصاص المكاني للمحكمة المصدرة للحكم المطعون فيه... مع أهلية المحكمة المحال عليها القضية والقول دائما للأستاذ الكشبور وآخرون . في اعتماد المناقشات التي أجريت أمام المحكمة المصدرة للحكم بالتطليق للشقاق استنادا إلى مقتضيات الفصل 481 من ظهير الالتزامات والعقود... أو إعادة مناقشة القضية في حال ظهور عناصر جديدة من شأنها التأثير في تقدير المستحقات ومسؤولية أحد الطرفين عن سبب الفراق (17)...

كما أن الأستاذ الكشبور ومن معه يعتقدون أنه كلما تعلق الأمر بالبطلان الإجرائي المقرر بنص تشريعي يجب على القضاء الاعتداد بالدفع المشار بشأنه إعمالا لقاعدة لا بطلان إلا بنص وأن ما بني على باطل فهو باطل الأمر الذي يفيد أن الحكم القاضي بالتطليق للشقاق إذ خرق الفصلين 9 و40 من قانون المسطرة المدنية يكون باطلا، ويتعين على المحكمة المعروض عليها الطعن أن تصرح ببطلانه(18) بالتوقف عند هذه الآراء فإنه يتبين من خلالها أن بتية الحكم القضائي المقصود من خلال الفقرة الأولى من المادة 128 من مدونة الأسرة تهم الجانب الموضوعي أي منطوق الحكم ولا تتعداه عند الاقتضاء إلى الجانب الشكلي المرتبط بمقتضيات إجرائية عامة ضروري اعتمادها في كل الأحوال، والواقع أن هذا التوجه مردود عليه:

أولا: لأن صيغة المادة 128في فقرتها الأولى لا تفيد ما ذكر أعلاه باعتبار أنها جاءت عامة غير مميزة بين الجانب الشكلي والموضوعي للمقرر القضائي، فقط دلالة المخالفة لمضمون النص هي التي تجعل من المقرر الرافض لإنهاء العلاقة الزوجية قابلا للطعن، بالإضافة إلى أن القابلية لعدم الطعن الذي تتحدث عنه هذه المادة تهم الطعون العادية والاستثنائية على حد سواء.

ثانيا : أن الذي يمكن إعماله في حالة وجود خرق مسطري هو القاعدة التي تفيد أن "ما بني على باطل فهو باطل" بحث يتم إلغاء الحكم من أصله باعتبار أنه غير مؤسس قانونا وغير محترم للمساطر المطبقة في النازلة وهو مخرج معتبر ذلك أن الحكم الذي ينبني على خلل إجرائي ما يعد غير ذي أساس قانوني.

ولذلك فإنني أعتقد أن ما سعى إليه المشرع من خلال المادة 128 سيرتب أثرا سلبيا عند وجود حالات كتلك السابق مناقشتها من خلال هذه الدراسة، علما أنه من الأفضل أن تترك مثل هذه المقررات القضائية قابلة للطعن، خاصة وأن أغلب النظم القضائية تقوم على قاعدة وجود درجتين للتقاضي بحيث يسمح للمتقاضين بإعادة طرح نزاعاتهم أمام محكمة ثانية أعلى درجة من المحكمة الأولى، لتعيد النظر من جديد في النزاع لإصلاح الأخطاء الواقعية أو القانونية التي يمكن أن تكون محكمة الدرجة الأولى قد وقعت فيها،(19) فجودة العمل القضائي تقاس بضمان حق الطعن بكل درجاته لكل من يرغب في اللجوء إليه، (20) ولذلك كان لزاما على المشرع مراعاة مآلات الحكم في التطبيق(21) واعتبار المصلحة الاجتماعية كأساس معياري لصياغة نص تشريعي ما، ذلك أن المصلحة التي لا يتوجه إليها الحكم الشرعي، ولا القصد الشرعي فإنها تعتبر ملغاة وباطلة رغم عدم وجودها عادة، (22) فبالاستناد إلى التأصيل الشرعي وتفعيلا للإحالة المنصوص عليها في المادة 400 من مدونة الأسرة إلى المذهب المالكي والاجتهاد بمفهومه العام، فإن كل ذلك لا يسمح نهائيا ببقاء الحكم القضائي في قضايا الأسرة محتفظا بمخالفته النص شرعي قطعي، متحصنا من التعديل أو الإلغاء بمجرد أنه اكتسب صفة البتة. (23)


الهوامش :


(1) ظهير شريف رقم 1. 04 . 22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424(3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم  70.03بمثابة مدونة الأسرة - منشور بالجريدة الرسمية السنة الثالثة والتسعون۔ عدد5-5184 فبراير 2004- ص:452-418.

(2) راجع أستاذي جمال الطاهري: مراعاة الإقامة بالخارج كمحدد للضبط في مدونة الأسرة - مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية المنعقدة بكلية الحقوق بوجدة يومي 17 / 18 فبراير 2005 حول: مدونة الأسرة عام من التطبيق: الحصيلة والآفاق - منشورات مجموعة البحث في القانون والأسرة - سلسلة الندوات - العدد الأول - تنسيق الأستاذ ادريس الفاخوري - مطبعة التيسير . طبعة 2006 - ص: 159.

يعتبر أستاذي جمال الطاهري أن البنية هي الدرجة العليا أو حالة السكون التي يصل إليها الحكم كعمل قانوني يجري تكوينه في تدرجه وحرکته نحو تحصنه من جميع طرق الطعن، إنها صفة في الحكم القضائي ذاته.

أنظر مفهوم البتية قبل مفاهيم ذات علاقة بالحكم القضائي ذ. جمال الطاهري. حجية الأمر المقضي في علم القضاء الإسلامي والقانون الوضعي - رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص . كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعي. الرباط /أكدال / جامعة محمد الخامس - السنة الجامعية: 1996 / 1997 - ص: 80-76. 

(3) على الأقل من وجهة نظر شخصية  

(4) أنظر ذ. محمد الأزهر . شرح مدونة الأسرة. أحكام الزواج- منشورات فضاءات قانونية - الطبعة الأولى 2004 - مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء - ص .128  

(5) أنظر كذلك أستاذي جمال الطاهري - قراءة مقاصدية للمادة 128 من مدونة الأسرة - مجلة رسالة الدفاع / هيئة المحامين بالناظور - العدد السادس- أكتوبر 2006 . ص 25-10.

(6) أنظر تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان حول مشروع قانون رقم 03/70 بمثابة مدونة الأسرة - مجلس النواب الأمانة العامة. مصلحة اللجان الولاية التشريعية السابعة: 2002 / 2007 - السنة التشريعية الثانية 2003 /2004 . دورة أكتوبر 2003 . طبع مصلحة الطباعة والتوزيع بمجلس النواب . ص 61.

(7) راجع تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان - مرجع سابق - ص 29.

(8) أنظر تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان - مرجع سابق - 30. 

عند فرز نتائج التصويت على التعديلات المقدمة بشأن مشروع قانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة سجل ما يلي بخصوص المادة 128 : 

مواد مشروع القانون: المادة 128 

تعديلات فرق الأغلبية والمجموعة النيابية لجبهة القوى الديمقراطية المادة 128: مقبول

تعديلات فريق العدالة والتنمية: سحب

تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية قد اقترح تعديل المادة 213 من قانون المسطرة المدنية وذلك بجعل القرار الاستئنافي الصادر في مادة التطليق قابلا للتنفيذ وذلك من خلال منع الطعن بالنقض على طرفي النزاع مع إمكانية الطعن بالنقض لفائدة القانون من طرف الوكيل العام للملك في إطار الفصل 381 من قانون المسطرة المدنية. 

أنظر المذكرة التي تقدم بها حزب العدالة والتنمية للجنة الاستشارية الخاصة حول تعديل مدونة الأحوال الشخصية ربيع الأول 1422 يونيو 2001 منشورات سلسلة العدالة والتنمية . طوب بريش الطبعة الأولى 2001.

(9) أنظر ذ. محمد الكشبور وآخرون - مرجع سابق - ص 181 

(10) قرار رقم 207 صادر في الملف رقم 2006/ 698 بتاريخ 2006-5-2 غير منشور. 

(11) قرار صادر في الملف رقم 02/ 2206 تحت عدد 35 / 06 بتاريخ 21 مارس 2006 منشور بمجلة المحاكمة - العدد 1 شتنبر 2006 ص 128. 

حيث قبل الاستئناف وألغي الحكم الابتدائي القاضي برفض طلب الشقاق والصادر عن المحكمة الابتدائية بالعيون في ملف قضاء الأسرة عدد411 / 2005 تحت عدد 832 / 05 بتاريخ 1 ديسمبر 2005 منشور بمجلة المحاكمة . مرجع سابق، ص: 207. لقد رفض هذا الحكم طلب التطليق للشقاق لعدم ثبوت استمرار الشقاق بين الزوجين واعتبر أسانيد الزوجة واهية تمس قدسية عقد الزواج . 

(12) والحكم هنا يقصد مضمون الفصل 213 من قانون المسطرة المدنية. 

(13) قرار محكمة الاستئناف في الملف الشرعي رقم 3955 / 2004 مؤرخ بتاريخ 1 فبراير 2005 أورده الكشبور وآخرون - مرجع سابق ص 213.

(14) حول كيفية اجتهاد القاضي في مدونة الأسرة راجع ادریس حمادي. البعد المقاصدي وإصلاح مدونة الأسرة - دون ذكر تاريخ الطبعة: مطابع إفريقيا الشرق / الدار البيضاء - ص: 164.

(15) أنظر الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية. وقد صدرت بصدده قرارات قضائية تؤكد إلزامية مراعاة ماهو منصوص فيه ومنها قرار للمجلس الأعلى جاء فيه أنه: "يتعرض للنقض الحكم الذي تبين من مراجعة نسخة عليه منه المشهود بمطابقتها للأصل أن الحكم المذكور لم يوقع إلا من طرف رئيس الجلسة وكاتب الضبط دون أن يشير الحكم المذكور إلى إسم المقرر ولا إمضائه حتى يتأتى للمجلس أن يمارس سلطته في مراقبة تطبيق القانون "قرار رقم 191 بتاريخ 1969-3-26 من ق. م ع، ص 1982-339 أورده ذ.عبد العزيز توفيق۔ قضاء المجلس الأعلى في المسطرة المدنية إلى غاية 2005- الطبعة الأولى 2006- مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء - ص28. 

(16) هذه التساؤلات وغيرها طرحها كإشكالات على العمل القضائي المرتقب في مجال مدونة الأسرة الأستاذ علي وردا - رئيس الغرفة المدنية

بمحكمة الاستئناف بالحسيمة . خلال أشغال الندوة المنظمة من لدن المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بالجهة الشرقية حول "مدونة الأسرة: بعد عامين من التطبيق" بتاريخ 2006-4-26 بمحكمة الاستئناف بالناظور (ندوة غير منشورة).

(17) د. محمد الكبشور وأخرون - مرجع سابق، ص: 186-185-184-183-182. 

(18) المرجع السابق ص: 188.

(19) راجع: أستاذي عبد العزيز حضري - القانون القضائي الخاص۔ طبعة 2005 دون ذكر المطبعة ص55. راجع أيضا أستاذي عبد العزيز حضري - القواعد الموضوعية الاستئناف الأحكام المدنية في التشريه المغربي مساهمة في نظرية جديدة لنظام الطعن بالاستئناف. أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص - الجزء الأول - السنة الجامعية 2003 /2004-كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية/جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ص 3/ 4.

(20) راجع في تفاصيل ذلك: بشرى النية/سعيد الأخضر. تقرير حول ندوة "جودة الخدمات وتقييم عمل المحاكم" المنعقدة في إطار التعاون المغربي الفرنسي - المعهد الوطني للدراسات القضائية أيام 12 و13 ماي 2003 - تقرير منشور على صفات الأنترنيت بالموقع الأتي و بتاريخ:

http : / www . justice . gov . ma / console / upeads / doc / doc052003 .doc12 / 12 / 200 

(21) أنظر د: أحمد الخمليشي - كلمة حول تأصيل المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة منشور ضمن سلسلة شرفات 12 حول: ط ثورة هادئة من مدونةالأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة" - طبعة 2004 - مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ص 128. 

(22) أنظر في تفاصيل الموضوع : ذ.محمد البعدوي - مسالك تحقيق المصلحة في الخطاب الشرعي- الطبعة الأولى 2003 - مطبعة الفضيلة / الرباط .ص 22. 

(23) أستاذي جمال الطاهري - تواؤم الموضوعي والإجرائي في مدونة الأسرة - مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية حول: "مستجدات قانون الأسرة: مقاربات متعددة" - منعقدة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة - بتاریخ 10/11 مارس 2004 ستنشر بالعدد المزدوج 2 / 3 لمجلة الحقوق المغربية.







تعليقات
ليست هناك تعليقات




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -