المستحقات المالية للمطلقة عند انحلال ميثاق الزوجية

المستحقات المالية للمطلقة عند انحلال الزوجية (1)

المستحقات المالية عند انحلال ميثاق الزوجية
د سعيد الوردي


-الدكتور سعيد الوردي

أستاذ القانون الخاص بكلية الحقوق - فاس

مقدمة:

الزواج هو میثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام  مدونة الأسرة (2) فللزواج إذن غايته، وهي محددة حسب هذا التعريف في أمرين أساسيين هما الإحصان والعفاف، ثم إنشاء أسرة مستقرة. فالأصل أن يسعى الإنسان من خلال الزواج إلى إنشاء أسرة والاستقرار بين أحضان أفرادها من زوجة وأطفال، لكن قد تحدث بعض الأمور تؤدي إلى عدم إمكانية تحقيق غاية الاستقرار في الزواج فيصبح الطلاق هو الحل لتخليص الأسرة والأطفال من موجة المشاكل والنزاعات المستمرة داخلها.

ومن الطبيعي أن وقوع الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية بين الزوجين تترتب عليه مجموعة من الآثار المختلفة، سنتناول منها في إطار هذه المداخلة ما له علاقة بالجانب المالي. فالطلاق يرتب للزوجة والأطفال حقوقا مالية في ذمة الزوج المطلق، هذه الحقوق تعرضت لها مدونة الأسرة بتفصيل، فميزت بين حقوق المطلقة، وبين حقوق الأطفال، وأفردت أحكاما خاصة لكل منهما، حيث نصت المادة 83 منها على أنه: "إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين، حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بالإنفاق عليهم المنصوص عليها في المادتين المواليتين ".

وبما أن الحقوق المالية للطفل قد تم التطرق لها في مداخلة سابقة ، فإننا سنتعرض في هذه المداخلة للحقوق المالية للمطلقة فقط، وهذه الحقوق تحدد إطارها العام المادة 84 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه " تشمل مستحقات الزوجة: الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق ، ومدى تعسف الزوج في توقيعه.

تسكن الزوجة خلال العدة في بيت الزوجية، أو للضرورة في مسكن ملائم لها وللوضعية المادية للزوج، وإذا تعذر ذلك حددت المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودع كذلك ضمن المستحقات بكتابة ضبط المحكمة ".

ويتضح من خلال هذه المادة أن الحقوق المالية للزوجة المطلقة بعد الطلاق تنحصر في الحق في مؤخر الصداق إن وجد، الحق في النفقة والسكني خلال فترة العدة، ثم الحق في المتعة، غير أنه هناك حقوق مالية أخرى كالحق في أجرة الحضانة بالنسبة للمطلقة الحاضنة، ثم الحق في الاستفادة بنصيب من ممتلكات الأسرة وفقا لشروط معينة.

ومن البديهي أن كل فاعل في الحقل القانوني هو على علم بتفاصيل هذه الحقوق، بل إن العلم بها أصبح متاحا حتى لدى العامة من الناس، نتيجة للمجهودات التي بذلت من طرف كل الفعاليات الرسمية وغير الرسمية للتعريف بمدونة الأسرة ومقتضياتها.

لذلك سوف لن نركز كثيرا في هذه المداخلة على الجانب القانوني، بل سنعطي كثيرا من الأهمية لرصد كيفية تعامل القضاء مع هذه المقتضيات القانونية، وذلك من خلال ثلاث محاور أساسية:

المحور الأول: مستحقات مؤخر الصداق ، النفقة والسكنى وأجرة الحضانة

المحور الثاني : المستحقات المتعلقة بالمتعة 

المحور الثالث : المستحقات الناتجة عن الاستفادة من ممتلكات الأسرة


 

 

المحور الأول: مستحقات مؤخر الصداق ، النفقة والسكنى وأجرة الحضانة

سنميز في إطار هذا المحور بين مستحقات مؤخر الصداق – أولا - ثم النفقة والسكني خلال فترة العدة - ثانيا – ثم أجرة الحضانة - ثالثا .

أولا : الحق في مؤخر الصداق إن وجد

يعرف الفقهاء الصداق بكونه هو ما يجب على الزوج نحو زوجته مقابل الزواج، ويسمى كذلك المهر والنحلة والفريضة،(3) وحسب المادة 26 من مدونة الأسرة فالصداق هو ما يقدمه الزوج لزوجته إشعارا بالرغبة في عقد الزواج وإنشاء أسرة مستقرة، وتثبيت أسس المودة والعشرة بين الزوجين، وأساسه الشرعي هو قيمته المعنوية والرمزية، وليس قيمته المادية.

ويعتبر الصداق شرطا في الزواج حيث لا يصح الزواج إذا وقع الاتفاق على إسقاط الصداق. وهو ما أكده المشرع عند حديثه عن الشروط الواجب توفرها في عقد الزواج في المادة 13 من مدونة الأسرة.

والصداق قد يقوم الزوج بتأديته كاملا لزوجته عند إبرام عقد الزواج، وقد يؤخر أداءه كلا أو جزءا، وذلك حسب المادة 30 التي تجيز الاتفاق على تعجيل الصداق أو تأجيله إلى أجل مسمی كلا أو بعضا. ويسمى ما تم الاتفاق على تأجيله مؤخر الصداق، ويصبح حالا بحلول أجله، غير أنه إذا وقع الطلاق قبل حلول هذا الأجل، فإن مؤخر الصداق يصبح حالا قبل حلول أجله، بصريح المادة 84 أعلاه التي جعلته من ضمن ما يحكم به في إطار مستحقات الزوجة عند الطلاق، وبالتالي في حالة وجود مؤخر للصداق فإن الزوج الذي يرغب في الطلاق يكون ملزما بأدائه ضمن باقي المستحقات ولو كان قد اتفق مع الزوجة على تاريخ لم يحل أجله. وهذه النقطة واضحة لا تثير إشكالا في الواقع العملي، لذلك نكتفي في شأنها بهذا القدر.

ثانيا : الحق في النفقة والسكني خلال فترة العدة

يمكن تعريف نفقة الزوجة بكونها تكليف مالي واجب على الزوج للزوجة وفق شروط معينة بمستوى الكفاية عرفا.(4) ونفقة كل إنسان في ماله، ولا تجب النفقة على الغير إلا في أحوال حددها القانون وهي الزوجية، القرابة والالتزام.(5)

وتستحق الزوجة النفقة عند انحلال العلاقة الزوجية بالطلاق أو التطليق خلال فترة العدة فقط، أو إذا كانت حامل إلى أن تضع حملها.

وكذلك الأمر بالنسبة للسكنى، حيث تستحق المطلقة السكني خلال فترة العدة، وذلك استنادا للمادة 131 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه " تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها في منزل الزوجية، أو في منزل أخر يخصص لها " وتبعا لذلك فالمطلقة يكون لها الحق في السكني بمنزل الزوجية خلال فترة العدة، وإذا تعذر ذلك يجب على الزوج أن يخصص لها سكن آخر، غير أنه في الواقع العملي يصعب تنزيل هذا المقتضي لذلك نجد المحاكم في غالب الأحيان تحدد واجبا ماليا كمقابل لهذا السكن يؤديه الزوج المطلق إلى جانب باقي المستحقات.

ثالثا : الحق في أجرة الحضانة

تنص المادة 167 من مدونة الأسرة على أن أجرة الحضانة ومصاريفها على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الرضاعة والنفقة. لا تستحق الأم أجرة الحضانة في حالة قيام الزوجية، أو في عدة من طلاق رجعي.

وتأسيسا على هذه المادة فإن الزوجة المطلقة تستحق عند انحلال الزوجية بالطلاق البائن، أو بالطلاق الرجعي بعد انقضاء العدة، أجرة عن الحضانة، تحددها المحكمة ضمن المستحقات المالية للمطلقة التي لها أبناء وأسندت لها حضانتهم.

وهذه الأجرة جرى العمل على تقديرها من طرف القضاء في إطار السلطة التقديرية القضاة الموضوع في مبالغ ضئيلة تتراوح في غالب الأحيان بين 100 و 200 درهم، وهي الا تمنح إلا من تاريخ طلبها، وعدم مطالبة الحاضنة بها في وقتها تعتبر متبرعة ضمنيا بها ولا حق لها فيها عن المدة المسكوت عنها.(6)

ولا تستحق أجرة الحضانة إلا في مقابل القيام بشؤون المحضون، فقد اعتبرت محكمة النقض بأن ثبوت مكوث المطلوب نفقته وأجرة حضانته مع والده طيلة فترة معينة يحول دون أحقية الأم في المطالبة بذلك ويبرر طلب الأب بإسقاطها، والمحكمة لما قضت برفض طلب إسقاط نفقته وحضانته عن هذه المدة تكون قد حملت الطاعن الواجب مرتين وأقامت بذلك قضاءها على غير أساس، إذ أن الأم لا تستحق نفقة محضونها وأجرة حضانته إلا إذا كانت حاضنة له فعليا لا فرق بين أن يكون التواجد عند والده مبرر أو غير مبرر.(7)

وتسقط أجرة الحضانة المستحقة للأم المطلقة بزواجها طبقا للمادة 175 من مدونة الأسرة التي تنص على أن زواج الأم الحاضنة يعفي الأب من تكاليف سكن المحضون وأجرة الحضانة. وهو الأمر الذي يحرص القضاء على تنزيله، حيث قضت المحكمة بإسقاط أجرة الحضانة بعدما ثبت لديها زواج الحاضنة.(8)

أما طلب الزيادة في أجرة الحضانة فغالبا ما يتم رفضه من طرف المحاكم على اعتبار أن هذه الأجرة يتم تحديدها عندما يكون المحضون صغيرا، وكلما مضى الزمن يكبر المحضون وتقل حاجته للحاضنة فتخف أعباؤها، وهذا ما أكده القضاء عندما اعتبر أن: "طلب الزيادة في أجرة الحضانة ليس له ما يؤسسه قانونا، فكلما شب الطفل ونما قام بشؤونه الشخصية بنفسه وقل احتياجه لحاضنته، وبذلك يبقى هذا الطلب غير مؤسس ويتعين رده".(9)

المحور الثاني : المستحقات المتعلقة بالمتعة

المتعة هي ما يعطيه الزوج لزوجته عند الطلاق جبرا لخاطرها، وتعويضا لها عما يمكن أن يلحقها من الضرر.(10) فهو حق من حقوق المطلقة يجد سنده الشرعي في القرآن الكريم، حيث ذكر في الكثير من الآيات منها قوله تعالى: ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره حقا بالمعروف حقا على المحسنين) (11)، وقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا نحكتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا) (12) وقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين). (13)

أما السند القانوني للمتعة في التشريع المغربي فيتمثل فيما تنص عليه المادة 84 من مدونة الأسرة بخصوص مستحقات الزوجة والتي تحددها في : الصداق المؤخر إن وجد، ونفقة العدة، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه.

فالمتعة إذن هي حق للزوجة المطلقة، يجد سنده في الشرع والقانون، لذلك فأساسه لا يثير أي إشكال، إنما يثار في مسألة تقدير مبلغ هذه المتعة، حيث جاءت المادة 84 بعبارات محدودة تحدثت عن كيفية تقديرها، وقالت بأنه يراعى في تقديرها أربعة أمور وهي:

- فترة الزواج

- الوضعية المالية للزوج

- أسباب الطلاق

- مدى تعسف الزوج في توقيعه.

لكنه بالرجوع إلى واقع العمل القضائي نجد بأن هذه الأمور الواجب تقدير مبلغ المتعة في ضوئها، عاجزة عن القيام بالدور المنوط بها، أو بالأحرى أن القضاء لا يعطيها الأهمية التي تستحقها، كما يظهر من خلال العديد من الأحكام التي اطلعنا عليها، حيث تكتفي بالإشارة إلى هذه المادة، دون أن تبين في حيثياتها ما استندت عليه من حقائق لها علاقة بالأمور المذكورة 14 ولعل هذا الأمر هو الذي خلق تباينا واضحا في العمل القضائي بين مختلف المحاكم، وأحيانا داخل نفس المحكمة بين قضايا متشابهة.

ففي نازلتين متشابهتين من حيث مختلف الظروف الواجب الأخذ بها في تقدير مبلغ المتعة قضت المحكمة الابتدائية بصفرو في إحداهما (15) بتحديد مبلغ المتعة في 21000 درهم حيث كان الزوج يشتغل في القوات المساعدة وأثبت أن أجرته هي 4800 درهم، وفي الأخرى (16) حيث يقل دخل الزوج عما هو في الحالة السابقة (3500 درهم) حددت المحكمة مبلغ المتعة في 32000 درهم. ومن الواضح أن مبلغ 11000 درهم كفرق في حالتين متشابهتين ليس مبلغا هينا بل هو فرق كبير ينبغي أن يكون مبررا تبريرا منطقيا ومعقولا.

ونفس الأمر نجده أيضا بين المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، ففي نازلة كان فيها الزوج المطلق مهاجرا بالخارج فقضت المحكمة الابتدائية بعد الحكم بتطليقه لزوجته للشقاق بمبلغ متعة قدرته في 40 ألف درهم بالنظر للوضع المادي للزوج، وبعد الطعن فيه بالاستئناف قامت محكمة الاستئناف بتخفيض هذا المبلغ إلى 20 ألف درهم معتبرة أن هذا المبلغ يتسم بالمبالغة.(17)  ولا شك أن إنقاص نصف المبلغ المحكوم به يدل على أن سلطة محكمة الموضوع في تقدير مبلغ المتعة واسعة وأن ضوابطها مبهمة وغامضة لا تعطي مبالغ متقاربة في قضايا متشابهة، بل لا تحقق هذا التقارب حتى في نفس القضية بين محاكم مختلفة.

كما أنه لا بد من التنبيه إلى أن تنصيص المشرع على كون المتعة يراعى في تقديرها أسباب الطلاق ومدى تعسف الزوج في توقيعه، إنما يدل في واقع الأمر على شمول مبلغ المتعة للتعويض عن الضرر الذي قد تتعرض له المطلقة جراء التعسف في استعمال الزوج الحقه في إنهاء العلاقة الزوجية. وهذا يجرنا إلى التساؤل عن أساس المطالبة بالتعويض عن الضرر الناتج عن إنهاء العلاقة الزوجية، وعن مدى قانونية الجمع بينه وبين المتعة ؟

ففي اعتقادنا أن تنصيص المشرع في المادة 84 من مدونة الأسرة على أنه من أسس تقدیر المتعة مراعاة فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في إيقاع هذا الطلاق، يدخل في إطاره التعويض عن الضرر الذي قد يطال الزوجة نتيجة للتعسف من طرف الزوج أو الاستناد الأسباب غير مبررة لإيقاع الطلاق. وهو نفس الأمر الذي تؤكده المادة 97 من نفس المدونة التي تلزم المحكمة عند الحكم بالتطليق للشقاق بمراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول لفائدة الزوج الآخر.

وتبعا لذلك فإن التعويض عن الضرر الناتج عن تعسف الزوج في إنهاء العلاقة الزوجية يدخل في مبلغ المتعة، أما التعويض عن الضرر الذي لا علاقة له بالتعسف في إيقاع الطلاق والمسؤولية عن ذلك فيستجاب له عندما لا تكون له علاقة بما ذكر، ويجب إثباته، فقد قضت المحكمة الابتدائية ببركان بأن الزوجة لم تثبت الضرر اللاحق بها من جراء معاملة المدعى عليه لها، بالإضافة إلى أنه غير محدد، مما يكون معه طلبها الرامي للحكم لها بتعويض عن ذلك غير مؤسس ويتعين رفضه.(18) وفي نازلة أخرى اعتبرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء أن زواج المدعى عليه بامرأة ثانية دون علم زوجته الأولى ينهض مبررا كافيا لمطالبة المدعية بالتعويض، لأنه ألحق بها ضررا ماديا ومعنويا، مما يجعل طلب التعويض مؤسس ويتعين الاستجابة له.(19)

وفي نهاية الحديث عن مستحقات المتعة لا بد من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية وهي تتعلق بحرمان المرأة التي تطلب التطليق للشقاق من حقها في المتعة، حيث سارت العديد من المحاكم على القول بحرمان المرأة من المتعة عندما تكون هي المدعية في التطليق للشقاق، استنادا لقرارات صدرت سابقا عن محكمة النقض، منها القرار(20) الذي اعتبرت فيه أن المتعة لا يحكم بها إلا في حالة الطلاق أو التطليق الذي يتم بناء على طلب الزوج، أما في حالة التطليق للشقاق بناء على طلب الزوجة فإنه لا يحكم لها بالمتعة، وإنما يحكم لها بالتعويض بعد أن ثبتت مسؤولية الزوج عن الفراق.(21) وهذا التوجه هو مجحف في حق المرأة، لأن حرمانها من حقها في المتعة يتنافى مع نصوص مدونة الأسرة، وقد ساريته العديد من محاكم الموضوع، نذكر منها على سبيل المثال حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو جاء فيه : "وحيث إن العمل القضائي حسب قرار شخصي لمحكمة النقض عدد 159 الصادر بتاريخ 2011/ 04 / 05 استقر على أن المطلقة في إطار دعوى التطليق للشقاق لا تستحق متعتها إذا كانت هي من بادرت إلى طلب التطليق وأنها تستحق فقط تعويضا عن الضرر الذي لحقها من جراء الفراق شريطة إثباته.وحيث إنه تأسيسا على ذلك تصرح المحكمة بعدم استحقاق المدعية في نازلة الحال للمتعة مادامت هي من بادرت إلى رفع الدعوى ". (22)

وهناك محاكم أخرى تقر بحق المرأة في المتعة حتى عندما تكون هي المدعية، لكن تقدر هذه المتعة في مبالغ هزيلة لا تتناسب البتة مع ظروف النازلة، فقد حددتها المحكمة الابتدائية بوجدة في مبلغ 5000 درهم.(23) كما اعتبرت المحكمة الابتدائية بالناضور أن عدم الانفاق والإهمال وتزوج المدعى عليه بأخرى دون علم الزوجة الأولى، سبب كاف لسلوك مسطرة التطليق للشقاق، وحكمت على الزوج وهو تاجر وله ثلاث أبناء ومدة الزواج استمرت لما يزيد عن 17 سنة، بأدائه مبلغ المتعة المحدد في 5000 درهم.(24) إذن فسواء تعلق الأمر بحرمان المرأة طالبة التطليق للشقاق من حقها في المتعة، أو الحكم لها بمبالغ ضعيفة، فإن ذلك يشكل حيفا غير مبرر في حقها، نرجو أن يتم العمل على تداركه في أقرب الآجال. أما التعويض عن الضرر فهو مستقل عن المتعة لأنه حق من حقوق الزوجين معا إذا ثبت أن الزوج الآخر هو المسؤول عن الفراق، وأنه ألحق بالطرف الآخر ضررا يتعين إثباته.

المحور الثالث : المستحقات الناتجة عن الاستفادة من ممتلكات الأسرة

إن الزوجة أثناء الحياة الزوجية غالبا ما تساهم في تكوين متاع البيت عبر الجهاز أو الشوار أو شراء بعض اللوازم مما يفرض حين الانفصال أن تأخذ نصيبها من المتاع المنزلي، كما أن مدونة الأسرة أسست لحق جديد ألا وهو نصيب الزوجة في المستفاد من ثروة الأسرة.(25)

وتبعا لذلك فالزوجة المطلقة يحق لها عند انحلال العلاقة الزوجية أن تستفيد من أثاث البيت، وهذه العملية مؤطرة بموجب المادة 34 من مدونة الأسرة التي تنص على أن: " كل ما أتت به الزوجة من جهاز وشوار يعتبر ملكا لها، إذا وقع نزاع في باقي الأمتعة، فالفصل فيه يرجع للقواعد العامة للإثبات. غير أنه إذا لم يكن لدي أي منهما بينة، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء. أما المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه ما لم يرفض أحدهما اليمين ويحلف الآخر فيحكم له ".

وفي الواقع العملي يثير تنزيل مقتضيات هذه المادة عدة إشكاليات ترتبط أساسا بإثبات واقعة أخذ الزوجة لمتاعها من البيت، والتي يفصل فيها القضاء في ضوء الأحكام الواردة في المادة 34 أعلاه، وكذا استنادا للأحكام المقررة في الفقه الإسلامي المالكي.

أما فيما يخص استفادة الزوجة من الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية، فهي مؤطرة بموجب الفصل 49 من مدونة الأسرة الذي ينص على مبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين، ويجيز لهما الاتفاق على طريقة معينة لتدبير واستثمار وتوزيع الأموال التي ستكتسب أثناء قیام الزوجية، وذلك بموجب وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.

غير أن غياب هذا الاتفاق لا ينفي حق الزوجة في طلب الاستفادة من الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية إذا كانت قد ساهمت في تنميتها، لكن عليها أن تثبت أنها قدمت مجهودات وتحملت الأعباء من أجل تنمية أموال الأسرة، ويمكنها إثبات ذلك بشتی وسائل الإثبات طبقا للقواعد العامة، ولا يكفي مجرد الادعاء بكون الزوجة قد ساهمت في تنمية أموال الأسرة.

وفي هذا الإطار تعتبر مساهمة الزوجة في نفقات الأسرة وجها من أوجه المساهمة في تنمية أموال الأسرة ، كأن تكون مكلفة بأداء واجبات تمدرس الأطفال، أو تساهم بنصيب معين في النفقة على البيت، خاصة عندما تكون موظفة أو تشتغل خارج البيت، أو لها مداخيل معتبرة كأكرية أو نصيب من الأرباح من تجارة معينة، حيث اعتبر القضاء أن كون المرأة غير عاطلة عن العمل يقوم قرينة على مساهمتها في تنمية أموال الأسرة.(26) لكنه في نظرنا لا يكفي أن تكون المرأة ذات دخل بل لا بد أن يثبت أنها ساهمت فعلا في نفقات الأسرة، لأنها قد تكون غنية ومع ذلك لا تشارك الزوج في تحمل نفقات الأسرة.

لكن هناك حالات كثيرة يقتصر فيها عمل المرأة على القيام بشؤون البيت وتربية الأطفال، فهل يدخل ذلك ضمن الأعمال والمجهودات المقصودة في الفصل 49 ؟ جوابا عن هذا السؤال نقول بأنه هناك تبخيس لعمل المرأة داخل البيت، فعلى الرغم من الدور الهام الذي تقوم به في تكوين الأسرة وتخفيف أعبائها عن الرجل ليتفرغ لأمور أخرى خارج البيت، فإن غالبية المحاكم لا زالت تنظر إلى كون العمل داخل البيت لا أثر له على الأموال المكتسبة ولا يخول للمرأة الحق في اقتسامها، فحتى عندما يتجاوز عمل المرأة البيت ويمتد للمساهمة بالعمل خارج البيت خاصة في أعمال التجارة أو الفلاحة، فإن القضاء يشترط على الزوجة أن تثبت ذلك، وفي غياب الاثبات فإنه يقضي برفض الطلب.(27)

خاتمة :

نخلص مما سبق إلى أن أحكام مدونة الأسرة في الجانب المتعلق بالحقوق المالية للمطلقة عند انحلال العلاقة الزوجية ، أصبحت في حاجة إلى مراجعة شاملة، لتجاوز الإشكالات التي طرحها التطبيق العملي لهذه المقتضيات، ولا سيما فيما يخص طرق تقدير متعة المطلقة، وحق المرأة في المتعة عندما تكون هي طالبة التطليق للشقاق، وحقها في الاستفادة بنصيب من الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية، والذي ليس بالضرورة أن يكون النصف، وإنما يمكن أن يكون بقدر مساهمة المرأة في تنمية أموال الأسرة، ولم لا تحديد نسبة معينة الها مقابل تحملها أعباء البيت.

الهوامش:


(1)- مداخلة في ندوة وطنية حول: " تدبير الالتزامات المالية للأسرة بين النص والواقع " المنظمة من طرف جمعية المحامين الشباب يتازة ومختبر البحث في الفلسفة والقانون والمجتمع ، بشراكة مع هيئة المحامين بتازة ، مركز سايس لحماية الأسرة والطفولة بالمغرب ، ومركز الدراسات القانونية في القضايا المجتمعية والوطنية ، بتاریخ 19 فبراير 2021 بمقر هيئة المحامين بتازة د. 

(2)- المادة 4 من مدونة الأسرة.

(3)- محمد ابن معجوز : " أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية " ، الجزء الأول ، طبعة 1998، ص 105.

(4)- الشهيد الشيخ عارف البصري : " نفقات الزوجة في التشريع الإسلامي " ، الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، 1992، ص 16. 

(5)- المادة 187 من مدونة الأسرة.

(6)- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بوجدة تحت عدد 116 بتاریخ 2008/ 02 / 13 ، في الملف رقم 2007/ 279 ، أورده الدكتور سعيد الوردي في كتابه : " الحضانة وإشكالاتها العملية على ضوء أحكام مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي " ، مطبعة الأمنية الرباط ، الطبعة الأولى ، 2019 ، ص 220.

(7)- قرار محكمة النقض عدد 2006/ 1 / 2 / 281 بتاریخ 2006/ 11 / 15 ، أورده الدكتور سعيد الوردي في مرجع سابق ، ص 315.

(8)- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتاوريرت بتاريخ 2013/ 09 / 25 ، في الملف رقم 13 / 396 ، منشور بمرجع الدكتور سعيد الوردي المشار إليه سابقا ، ص 276. أنظر أيضا حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالناظور بتاريخ 2008/ 03 / 24 ، في الملف رقم 06/ 11 /1647 ، منشور بنفس المرجع ، ص264.

(9)- حکم صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس تحت عدد 05/ 849 بتاريخ 2005/ 05 / 17 ، في الملف الشرعي عدد 2005/ 01 /2758 ، غير منشور.

(10)- محمد ابن معجوز : مرجع سابق ، ص 309.

(11)- سورة البقرة ، الآية 236 12

(12)- سورة الأحزاب ، الآية 49 13

(13)- سورة البقرة ، الآية 241

(14)- أنظر مثلا الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بوجدة تحت عدد 4329 بتاریخ 2006/ 10 / 10 ، في الملف رقم 05/ 1438 ، منشور في منشور بقضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي ، للأستاذ ادريس الفاخوري ، دلائل الأعمال القضائية ، العدد 5، 2013 ، ص 370.

(15)- حکم صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو بتاریخ 2018/ 01 / 24 في ملف عدد 2017/ 01 / 1150 ، غير منشور. 

(16)- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بصفرو بتاريخ 2018/ 02 / 28 في ملف عدد 2017/ 01 / 1296 ، غير منشور .

(17)- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بفاس تحت عدد 2016/ 282 بتاريخ 2016/ 03 / 16 في الملف رقم 15/ 1164 ، غير منشور.

(18)- حکم صادر بتاريخ 2012/ 01 / 19 في ملف عدد 11/ 1718، منشور بالموقع الالكتروني :www . maroclaw . com، أنظر أيضا المحكمة الابتدائية بتاوريرت - مركز القاضي المقيم بالعيون - بتاريخ 2018./ 01 / 03 ملف 12 / 809 ، غير منشور ، والذي ورد فيه : " حيث التمس المدعي الحكم على المدعى عليها فرعيا بالتعويض عن الضرر الأحق به جراء التطليق للشقاق وحيث أن من يدعي الضرر عليه اثباته و أن المحكمة من خلال بحثها لوقائع النزاع بين الطرفين ودراستها لمستندات الملف ووثائقه لم يثبت لها الضرر المدعى به من طرف المدعي فرعيا مما يكون معه طلبه عاريا من الاثبات ويتعين معه التصريح برفض طلب " 

(19)- حكم رقم 06/ 35 / 37 بتاریخ 2006/ 03 / 07 ، في ملف عدد 05 ، منشور بقضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي ، مرجع سابق ، ص 384.

(20)- للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يرجى الرجوع إلى تعليق على هذا القرار للأستاذ يوسف مرصود : " استحقاق المتعة من عدم استحقاقها عند التطليق للشقاق " ، مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية ، العدد 158 / 2018 ، ص 213. 

(21)- قرار عدد 239 بتاريخ 25 مارس 2014 ، في الملف الشرعي عدد 2013/ 1 / 2 / 42 ، منشور بالموقع الالكتروني :www.maroclaw.com

(22)- حکم صادر عن المحكمة الابتدائية بتاوريرت - مركز القاضي المقيم بالعيون - بتاريخ 2013/ 01 / 03 ملف 12/809 ، غير منشور 

(23)- المحكمة الابتدائية بوجدة، حكم رقم 4329 بتاریخ 2006/ 10 / 10 ، في ملف رقم 05 / 1438 ، منشور بقضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي مرجع سابق، ص 370 ، حيث جاء فيه " وحيث إنه تبعا للسلطة التقديرية للمحكمة ، بعد اعتبارها دخل المدعى عليه وحالته المادية وكذا مدة الزواج والقسط الذي يتحمل عن حالة الشقاق التي آلت إليها علاقة الزوجية بالمدعية ارتأت تحديدها كالآتي :

المتعة 5000 درهم

السكني 1500 درهم.

نفقة الأبناء 250 لكل واحد منهم "

 

(24)- حكم عدد 1106 بتاریخ 2006/ 06 / 21 ، في ملف رقم 06 /223 ، منشور بقضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي ، مرجع سابق ، ص 388.

(25)- نبيلة بوشقرة : " الحقوق المالية للمرأة و الطفل بعد الطلاق "، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، وحدة التكوين والبحث : قانون الأسرة والطفولة ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس ، الموسوم الجامعي 2006/ 2005 ، ص 34.

(26)- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة بتاريخ 11/04/2011 في ملف عدد 539/1615/2010، ورد في مقال تحت عنوان: اقتسام الأموال المكتسبة بين الزوجين بين التشريع والقضاء، منشور على الموقع الالكتروني: www.maroclaw.com

(27)- حكم صادر عن المحكمة الابيتدائية بوجدة بتاريخ 26/03/2012، في ملف رقم 199/07، منشور في: قضايا الأسرة في ضوء العمل القضائي، مرجع سابق، ص 173. 


تعليقات
ليست هناك تعليقات




    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -